أودعناه العلوم والحكمة حتى وسع هموم النبوة ودعوة الثقلين. فأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل. وقال ابن كثير: يعني إنا شرحنا لك صدرك، أي:
نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا. كقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سمحا سهلا لا حرج فيه ولا إصرار ولا ضيق
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ أي: حملك الثقيل، قال ابن كثير: بمعنى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقال النسفي: أي:
وخففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها، وقيل: ترك الأفضل مع إتيان الفاضل والأنبياء يعاتبون بمثلها.
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ. قال ابن كثير: أي: أثقلك حمله. وقال النسفي: أي: أثقله حتى سمع نقيضه وهو صوت الانتقاض
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قال النسفي: (ورفع ذكره أن قرن بذكر الله في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والخطب والتشهد وفي غير موضع من القرآن: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ* وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ* وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وفي تسميته رسول الله ونبي الله ومنه ذكره في كتب الأولين).
وبعد أن عدد الله عزّ وجل بعض نعمه على رسوله صلى الله عليه وسلم ومنها تخفيف الحمل، تأتي فقرة تبين أن سنته المطردة أن يجعل مع العسر يسرا، ولذلك قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً قال ابن كثير: أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر،
ثم أكد هذا الخبر إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. قال النسفي: (كأنه قال: خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا، أي: إن مع الشدة يسرا) قال النسفي:
وجئ بلفظ (مع) لغاية مقاربة اليسر العسر زيادة في التسلية ولتقوية القلوب. وقال سعيد بن جبير عن قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية، فقال:
«لن يغلب عسر يسرين». قال ابن كثير: ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالتين فهو مفرد، واليسر منكر. فتعدد ولهذا قال: «لن يغلب عسر يسرين» يعني قوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد.
عددت الفقرة الأولى بعض نعم الله عزّ وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت الفقرة الثانية سنة مطردة لله عزّ وجل في مرافقة اليسر للعسر حتى يزيله، وفي ذلك نعمة