ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة» أو «قد غفرت لكم» فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم، هذا لفظ البخاري في المغازي في غزوة بدر). أقول: يستدل بما ورد في هذه الرواية لأمور كثيرة تخص أمن المجتمع الإسلامي، منها جواز التفتيش الدقيق إذا تأكدت لنا معلومات أمنية، ومنها جواز التهديد والتعزير لانتزاع الإقرار من
العاملين ضد أمن المجتمع الإسلامي إذا ثبتت عليهم الخيانة.
[تعليق]
علق صاحب الظلال على حادثة حاطب بقوله:(وأول ما يقف الإنسان أمامه هو فعلة حاطب، وهو المسلم المهاجر، وهو أحد الذين أطلعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على سر الحملة ... وفيها ما يكشف عن منحنيات النفس البشرية العجيبة، وتعرض هذه النفس للحظات الضعف البشري مهما بلغ من كمالها وقوتها؛ وأن لا عاصم إلا الله من هذه اللحظات فهو الذي يعين عليها.
ثم يقف الإنسان مرة أخرى أمام عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يعجل حتى يسأل:«ما حملك على ما صنعت» في سعة صدر وعطف على لحظة الضعف الطارئة في نفس صاحبه، وإدراك ملهم بأن الرجل قد صدق، ومن ثم يكف الصحابة عنه:
«صدق لا تقولوا إلا خيرا» ... ليعينه وينهضه من عثرته، فلا يطارده بها، ولا يدع أحدا يطارده. بينما نجد الإيمان الجاد الحاسم الجازم في شدة عمر:«إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين. فدعني فلأضرب عنقه» ... فعمر- رضي الله عنه- إنما ينظر إلى العثرة ذاتها فيثور لها حسه الحاسم وإيمانه الجازم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر إليها من خلال إدراكه الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها، ومن كل جوانبها، مع العطف الكريم الملهم الذي تنشئه المعرفة الكلية. في موقف المربي الكريم العطوف المتأني الناظر إلى جميع الملابسات والظروف.
ثم يقف الإنسان أمام كلمات حاطب، وهو في لحظة ضعفه، ولكن تصوره لقدر الله وللأسباب الأرضية هو التصور الإيماني الصحيح ... ذلك حين يقول: (أردت أن تكون لي عند القوم يد ... يدفع الله بها عن أهلي ومالي) ... فالله هو الذي يدفع، وهذه اليد لا تدفع بنفسها، إنما يدفع الله بها. ويؤكد هذا التصور في بقية حديثه وهو يقول: (وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع ... الله ... به عن أهله وماله» فهو الله الحاضر في تصوره، وهو الذي يدفع لا العشيرة. إنما العشيرة أداة