وكيف يذل نفسه؟ قال:«يتعرض من البلاء ما لا يطيق». وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال: قيل: يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
قال:«إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم» قلنا: يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا، قال:«الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رُذالكم» قال زيد: تفسير معنى قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: والعلم في رذالكم: إذا كان العلم في الفساق.
أقول: إنّ علينا أن نعتاد على الإحسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلمة الصالحة لا بد أن تترك أثرا.
٤ - [آثار في سبب نزول الآيات (٨٢ - ٨٤)]
وفي الآيات الأخيرة من المقطع أي لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً ... قال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما: نزلت في وفد بعثهم النجاشيّ إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليسمعوا كلامه ويروا صفاته، فلما رأوه صلّى الله عليه وسلّم، وقرأ عليهم القرآن، أسلموا وبكوا وخشعوا، ثم رجعوا إلى النّجاشي فأخبروه. وروى الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ... قال إنهم كانوا كرّابين (يعني فلاحين) قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة فلما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلّكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم، فقالوا: لن ننتقل عن ديننا. فأنزل الله ذلك من قولهم وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ ...
واختار ابن جرير أن هذه الآيات كلها نزلت في صفات أقوام بهذه المثابة سواء كانوا من الحبشة أو من غيرها.
٥ - [رد على قول فرقة الكرامية بأن الإيمان مجرد القول]
تعلّقت الكرّاميّة- وهي فرقة ضالة- بقوله تعالى: فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ .... في أن الايمان مجرد القول. ورد النّسفي عليهم فقال: لكن الثناء بفيض الدمع من السباق، وبالإحسان في السياق، يدفع ذلك، وأنّى يكون مجرد القول إيمانا، وقد قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (البقرة: ٨) نفى الإيمان عنهم مع قولهم آمنا بالله لعدم التصديق بالقلب. وقال: أهل المعرفة الموجود منهم ثلاثة أشياء: البكاء على الجفاء، والدّعاء على العطاء، والرّضا بالقضاء. فمن ادّعى المعرفة ولم يكن فيه هذه الثلاثة فليس بصادق في دعواه.
[كلمة في السياق]
قلنا إن هذا المقطع الذي هو الأول في قسمه هو امتداد للمقطع السابق عليه، إذ يؤكد ويوضح ويعمّق ضرورة عدم الولاء لليهود والنصارى لما هم عليه، فارتباطه من هذه