بِآياتِ اللَّهِ وهم اليهود وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بسبب اختيارهم الظلم، دل هذا على أن عدم حمل التوراة حق الحمل تكذيب بها، وظلم يستحق به صاحبه الإضلال، وفي ذلك درس لهذه الأمة التي حملت القرآن ألا تكون كتلك الأمة المكذبة الظالمة،
ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخاطب اليهود خطابا، ويتحداهم تحديا، ويذكر حقيقتهم ويؤنبهم في موضوع يدل على أن اليهود مع حملهم السيئ للتوراة كانوا يدعون الدعاوى العريضة مع الله عزّ وجل، كحال كثير من هذه الأمة الآن، لا يعرفون القرآن أصلا، ويحاربونه عمليا، ويزعمون أنهم من الله في المقام الأعلى فلنر الخطاب:
قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا أي: يا أيها المتهودون، أي: يا أيها اليهود إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قال النسفي: أي:
إن كان قولكم حقا وكنتم على ثقة من كلامكم فتمنوا على الله أن يميتكم وينقلكم سريعا إلى دار كرامته التي أعدها لأوليائه، أقول: دل ذلك على أن ميزان الولاية لله استعداد الإنسان للقاء الله،
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمة أن تتمنى الموت، ومن ثم قلنا إن ميزان ولاية الله أن يكون عند ولي الله استعداد للقاء الله، فهو في كل لحظة على استعداد لهذا اللقاء، ولما كان اليهود أبعد الناس عن هذه الولاية بسبب معرفتهم اليقينية أنهم ليسوا كذلك، ولعلم الله المحيط بهم، قال تعالى: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي: بسبب ما قدموا من الكفر والظلم والفجور وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ولعلمه بهؤلاء اليهود أخبر تعالى عن حالهم هذا، وفي ذلك معجزة لهذا القرآن، إذ يخبر عن أمر يتصل بموقف شعب كامل في أمر مستقبل، ثم لا تجد فردا من أفراد هذا الشعب يخرج عن هذا الإخبار. ولكن هل هذا الإخبار عمن كان يواجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، فالمعجزة في رفضهم وحدهم، أم أن هذا الإخبار عنهم قائم إلى قيام الساعة؟
ظاهر كلام المفسرين الأول، فهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره.
ثم قال تعالى مؤنبا لهم على فرارهم من الموت، وإنذارا لهم بالموت كي يرجعوا عما هم فيه من الضلال: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ولا تجسرون أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ لا محالة ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجازيكم بما أنتم أهله من العقاب.
[كلمة في السياق]
١ - جاءت هذه الفقرة بعد الفقرة التي ذكر الله عزّ وجل فيها بعثة رسول الله