للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصل إليك بالحق، فإنه نزل به شديد القوى، الأمين المكين، المطاع في الملأ الأعلى.

وفي الآية كلام سنجده في الفوائد وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً مبشرا لمن أطاعك من المؤمنين بالجنة، ونذيرا لمن عصاك من الكافرين بالنار

وَقُرْآناً فَرَقْناهُ أي فصّلناه، أو فرقنا فيه الحق من الباطل، أو فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفرّقا منجما على الوقائع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ثلاث وعشرين سنة تقريبا، ولهذا قال: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ أي لتبلّغه للناس وتتلوه عليهم عَلى مُكْثٍ أي على مهل وتؤدة وتثبّت وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا أي شيئا بعد شئ على حسب الحوادث، فذلك أقوى في فهمه والعمل به.

وإذ تقرر أن هذا القرآن حق خالص وأن من حكمة الله إنزاله مفرقا منجما، يأمر الله عزّ وجل رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول ثلاثة أقوال:

١ -

قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا أي اختاروا الإيمان وما يترتب عليه، أو غيره وما يترتب عليه، فإيمانكم ينفعكم، وكفركم لا يضره، ويضركم، فسواء آمنتم به أم لا، فهو حق في نفسه، أنزله الله، ونوّه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله، ومن ثم ذكر عن العلماء بالكتب السابقة كيف يكون موقفهم منه وهو الموقف الإيماني الصحيح إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ أي من صالحي أهل الكتاب، الذين تمسّكوا بكتابهم، ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرّفوه إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ أي القرآن يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً الخرور: السقوط، والذقن: أسفل الوجه، وخصت الذقن بالذكر، لأن أقرب الأشياء عند الخرور إلى الأرض للسجود الذقن

وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا أي تعظيما له وتوقيرا على قدرته التامة إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا أي إنه كان وعد ربنا على ألسنة الأنبياء المتقدمين لمفعولا

وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ أي خضوعا لله عزّ وجل، وإيمانا وتصديقا بكتابه ورسوله وَيَزِيدُهُمْ أي القرآن خُشُوعاً أي إيمانا وتسليما، ولين قلب ورطوبة عين. هذه هي حال أهل الإيمان من هذا الكتاب: خضوع وخشوع وتسليم وإيمان ويقين، فليت شعري كيف صار الحال من بعد؟ تمرد واحتقار وازدراء، وكم نستأهل من العقاب؟

٢ -

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الدعاء هنا بمعنى التسمية أَيًّا ما تَدْعُوا أي أيّ هذين الاسمين ذكرتم وسميتم فلا فرق إذ فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أي فإنه ذو الأسماء الحسنى، أي ما تدعون به من الاسمين فهو حسن، لأن كل الأسماء الحسنى له،

<<  <  ج: ص:  >  >>