وجميع الأنظمة، وجميع الأفكار، وجميع التصورات التي ابتدعتها البشر لأنفسهم بعيدا عن منهج الله وهداه .. فشلت في أن ترتفع بالبشرية مرة أخرى إلى تلك القمة وأن تضمن للإنسان حقوقه الكريمة في هذه الصورة الوضيئة، وأن تفيض على القلوب الطمأنينة- مع هذه النقلة الهائلة- وهي تنقل البشرية إليها بلا مذابح، وبلا
اضطهادات؛ وبلا إجراءات استثنائية تقضي على الحريات الأساسية، وبلا رعب، وبلا تعذيب، وبلا جوع، وبلا فقر، وبلا عرض واحد من أعراض النقلات التي يحاولها البشر في ظل الأنظمة البائسة التي يصنعها البشر، ويتعبد فيها بعضهم بعضا من دون الله .. فحسبنا هذا القدر هنا .. وحسبنا الإيحاءات القوية العميقة التي تفيض بها النصوص ذاتها، وتكسبها في القلوب المستنيرة».
٢ - [روايات حول قوله تعالى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ]
وبمناسبة قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ينقل ابن كثير ما يلي:
أ- روى الإمام أحمد ... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا قضى الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش، إنّ رحمتي غلبت غضبي» أخرجاه في الصحيحين.
ب- روى ابن مردويه ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق، أخرج كتابا من تحت العرش: إنّ رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة أو قبضتين، فيخرج من النار خلقا لم يعملوا خيرا، مكتوب بين أعينهم عتقاء الله».
ج- ومما يناسب هذه الآية من الأحاديث أيضا قوله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ بن جبل:«أتدري ما حقّ الله على العباد؟ أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا». ثم قال:«أتدري ما حقّ العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم» وقد رواه الإمام أحمد .. عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فما أعظم رحمة الله وما أقبح من لم ينل من هذه الرحمة يوم القيامة، وما أعقل من عمل للوصول إلى استحقاق رحمة الله الكاملة بسلوك طريق ذلك، والتّحقّق بالصفات التي يعطي الله أصحابها رحمته، وهي مذكورة بقوله تعالى في سورة التوبة: