للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علي. دل هذا الجزء من المجموعة على أن الاستقامة لا تعني الحرمان من الرزق، بل تعني التوسعة فيه، وفي ذلك درس للذين ينحرفون عن أمر الله ابتغاء الرزق في زعمهم، وهو معنى مكمل للمعاني التي ذكرها الجن، ولذلك جاء في صيغة تكاد تكون استمرار لكلام الجن، ومن ناحية أخرى جاءت بشكل خطاب مباشر من الله عزّ وجل.

٢ - وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ أي: أوحي إلي: وأن المساجد لله والمساجد:

البيوت المبنية للصلاة فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً أي: في المساجد؛ لأنها خالصة لله ولعبادته، قال ابن كثير: (يقول تعالى آمرا عباده أن يوحده في محال عبادته، ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به، وقال سعيد بن جبير: نزلت في أعضاء السجود أي: هي لله فلا تسجدوا بها لغيره) أقول: والمعنى الأول أقوى، والأمر بالتوحيد في المساجد لا يعني أن توحيد الله في غيرها غير مطلوب، بل لتبيان أن مراعاة التوحيد فيها آكد، وفي ذلك درس كبير لكل من يدعو مع الله غيره في مسجد، وللأسف فإنه حتى حلقات الذكر لا تخلو من دعاء غير الله، وهو موضوع لا يصح أن يستمر أبدا مهما كانت تأويلات فاعليه.

٣ - وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ أي: محمد عليه الصلاة والسلام يَدْعُوهُ أي: يعبده ويقرأ القرآن ويوحد الله كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً أي: جماعات جماعات، قال قتادة في الآية: تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه، قال ابن كثير: وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، وقول ابن زيد، وهو اختيار ابن جرير، وهو الأظهر لقوله بعده قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً وبهذا انتهت المجموعة الثانية وانتهت بانتهائها الفقرة الأولى.

[كلمة في السياق]

١ - عرضت هذه الفقرة في المجموعة الأولى لنموذج من الخلق آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم والقرآن، بمجرد السماع، جاء ذلك في السورة التي جاءت بعد سورة نوح عليه السلام، لترينا نموذجا مقابلا لنموذج أمة نوح عليه السلام، وصلة ذلك بمحور السورة من سورة البقرة واضحة، وليرينا الله عزّ وجل أن هذا النموذج كان إيمانه أثرا عن فهم شامل، واقتناع عميق، قص لنا على لسانهم ما قالوه لقومهم، مما يدل على الفهم

<<  <  ج: ص:  >  >>