النموذج على النصر الرباني، ولو تخلفت بعض أسباب النصر المادية، كما بينا كيف أن معركة بدر قد تركت آثارها البعيدة على عقلية المسلمين القتالية من يومها حتى هذه اللحظة، فمن يومها لم يعد المسلمون يكترثون بعدة أو عدد، مع بذلهم الجهد لتحصيل العدة والعدد؛ ثقة بنصر الله، فانظر أي خير للإسلام والمسلمين تولد عن هذه الغزوة، مع كراهة المسلمين يومها لدخولها.
٢ - في فن الحرب يقال: أنك إذا أردت أن ترفع معنويات الجند، فاجعلهم أول معركة يدخلونها يحققون نصرا، ولو كان نصرا بسيطا، فإن ذلك يرفع معنوياتهم، والملاحظ أن الله قد رزق المسلمين نصرا عظيما في أول معاركهم، وكان في ذلك ارتفاع لمعنويات هذه الأمة، ليس فقط في جيلها الأول، بل في كل أجيالها، فليلاحظ المجاهدون هذا المعنى.
٣ - وكنموذج على الجدال الدال على كراهة القتال يوم بدر يروي ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة «إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله يغنمناها؟» فقلنا: نعم، فخرج وخرجنا، فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا:«ما ترون في قتال القوم؟ فإنهم قد أخبروا بخروجكم؟ فقلنا: لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو ولكننا أردنا العير، ثم قال ما ترون في قتال القوم؟» فقلنا مثل ذلك فقال المقداد بن عمرو: إنا لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قال فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم. قال: فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ وذكر تمام الحديث.
[كلمة في السياق]
من أعظم ما يدل على صواب ما اتجهنا إليه في سيرنا هذا في ربط القرآن بعضه ببعض، وإظهار وحدته الكبرى مجئ الكاف في قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ وبيان ما قلناه: أن ننظر ما قاله المفسرون عند هذه الكاف وما نقوله.