صدر الأمر بعد هذا بقوله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. أي: آمنوا بهما حق الإيمان، الإيمان الذي يرافقه الإخلاص، والثقة، والطاعة، والعمل، والاطمئنان عند الامتحان والثبات فيه. ثم وعدهم على الإيمان والتقوى أجره العظيم فقال: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ. أي: إن تؤمنوا بالله ورسله، وتتقوا النفاق، وما يؤدي إلى عقوبة الله، فلكم أجر عظيم في الآخرة.
[فوائد]
١ - ذهب المعتزلة إلى وجوب الصلاح والإصلاح على الله، كما ذهبوا إلى نفي إرادة المعاصي عن الله. وفي قوله تعالى: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً حجة لنا عليهم في أنه لا يجب على الله شئ وجوبا عقليا، بل وجوبا شرعيا بإيجابه على نفسه، وأنه لا يكون في هذا الكون شئ إلا بإرادته.
٢ - وذهب الباطنية إلى أن إمامهم يعلم الغيب، وفي قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ رد عليهم.
[كلمة في السياق]
تحدثت الفقرة عن الإملاء والابتلاء، وكلاهما مما يخطئ فيه الناس، فكثيرا ما يظن الظانون أن الإملاء علامة الكرامة، وأن الابتلاء علامة الإهانة، فجاءت الفقرة تصحح هذين المفهومين، فالصلة بين معانيها قائمة. والصلة مع ما قبلها مباشرة قائمة:
فما قبلها هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فالله- عزّ وجل- توعد الكافرين في هذه الآية بالعذاب الأليم، وكثيرا ما يرى الناس أن كافرا يتنعم في هذه الحياة الدنيا، ومسلما يضطهد، فجاءت الفقرة اللاحقة تبين أن الإملاء، والابتلاء، ليسا علامة على الكرامة والإهانة، بل النار والجنة هما العلامة، فلا يخلو كافر من شقاء، ولا يحرم مؤمن من سعادة في الدنيا، والعاقبة للمتقين.
والصلة بين هذه الفقرة والفقرة التي قبلها واضحة من خلال حرف العطف، كما أن الصلة بين الفقرة وبداية القسم الخامس قائمة، فالله- عزّ وجل- وعد المؤمنين في