في أحكامه، وحكيم في معالجاته، وحكيم في ترتيب آياته، وحكيم في ترتيب سوره، وحكيم في ألفاظه، وحكيم في طريقة مخاطباته، وحكيم فيما تحتمله آياته من وجوه، وحكيم في مرونة ألفاظه حتى تسع الزمان والمكان، وحكيم في كونه يضع كل شئ في محله، ويجعل أهله يضعون الأشياء في مواضعها
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ فهو هاد، وهو الرحمة، ولكن لمن اتصف بصفة الإحسان، فهؤلاء يهديهم في كل شئ، فينالون رحمة الله في الدنيا والآخرة، فيخرجون من كل ظلمة وعذاب، ولا عذاب كالحيرة والشكّ،
ثم وصف الله المحسنين بقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ دلّ هذا على أنّه لا إحسان إلا بإقامة صلاة، وإيتاء زكاة، وإيقان بالآخرة.
فإذا وجدت هذه وجد الإحسان، ووجد الاهتداء بالقرآن، فنال أصحاب ذلك رحمة الله أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ أي على بصيرة وبيّنة ومنهج واضح جليّ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في الدنيا والآخرة.
كلمة في السياق:[وفي طريقة القرآن في العرض]
قلنا إنّ محور سورة لقمان هو الآيات الأولى من مقدمة سورة البقرة: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (البقرة: ١ - ٥).
لاحظ الصلة الكاملة بين مقدمة سورة لقمان ومقدمة سورة البقرة ثم لاحظ أنّ الفوارق تخدم قضية التفصيل فلنلاحظ:
جاء في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يقابل هذا في سورة لقمان الم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ لقد جاء وصف القرآن في سورة لقمان بأنّه حكيم، وكونه حكيما فهذا يفيد أنّه من عند الله بلا ريب. ونلاحظ أنه في سورة البقرة ورد قوله: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ بينما في سورة لقمان قال: هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ فالقرآن للمتقين هدى. ولكنه للمحسنين هدى ورحمة. وعلى هذا فمن لم يتحقق بمقام الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» لا يأخذ حظّه الكامل من رحمة الله بهذا القرآن. ونلاحظ أن: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ