قال: فهذه الآيات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المرادة هاهنا، وهي المعيّنة في قوله تعالى: وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ- إلى قوله- فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (النحل: ١٠ - ١٢) فذكر هاتين الآيتين العصا واليد، وبيّن الآيات الباقيات في سورة الأعراف وفصّلها، وقد أوتي موسى عليه السلام آيات أخر كثيرة، منها ضربه الحجر بالعصا، وخروج الماء منه، ومنها تظليلهم بالغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك مما أوتيه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر، ولكن ذكر هاهنا التسع آيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر، فكانت حجة عليهم، فخالفوها، وعاندوها؛ كفرا وجحودا. روى الإمام أحمد .. عن صفوان بن عسّال المرادي رضي الله عنه قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فقال: لا تقل له نبي، فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين، فسألاه فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة- أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك- وأنتم يا يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت» فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي قال: «فما يمنعكم أن تتبعاني؟» قالا: لأن داود عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود.
وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شئ، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة، لا تعلّق لها بقيام الحجة على فرعون والله أعلم.
ثم بعد كلام قال: وليس المراد منها كما ورد في هذا الحديث فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه، وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟
وما جاءهم هذا الوهم إلا من قبل عبد الله بن سلمة، فإن له بعض ما ينكر والله أعلم، ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات، فاشتبه على الراوي الآيات، فحصل وهم في ذلك، والله أعلم.
٢ - [كلام صاحب الظلال عند قوله تعالى وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ .. ]
في قوله تعالى: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا قال صاحب الظلال: