[التفسير]
كَلَّا قال النسفي في صلة هذا الحرف بما قبله مباشرة أي: بقوله تعالى:
وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ قال: هي إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى؛ لأنهم لا يتذكرون. أقول: (كلا) حرف ردع وزجر، وهي هنا في هذا السياق ردع
وزجر للكافرين والمنافقين في شكهم وارتيابهم، وتشكيكهم بمضمون هذه الرسالة، ورد عليهم، ومن ثم جاءت بعد ذلك هذه الأقسام وجوابها وَالْقَمَرِ قال النسفي: أقسم به لعظم منافعه
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ أي: ولى وذهب
وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أي: أضاء وأشرق
إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ أي: إن سقر لمن إحدى العظائم، قال النسفي: ومعنى: إنها إحداهن: أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظير لها، كما تقول: هو أحد الرجال، وهي إحدى النساء. أقول: أرجع الضمير إلى سقر في هذه الآية على القول بأن آخر المجموعة السابقة وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ يراد به سقر، إلا أننا رأينا أن هناك اتجاها آخر في الضمير ذكره النسفي أرجع فيه الضمير على الآيات، فليس شرطا أن نرجع الضمير إلى النار بل يمكن أن يكون التقدير: إن أعظم حادثة في الوجود هي أن يرسل الله تعالى نذيرا للبشر،
ومن ثم فسرت الآية اللاحقة هذه الواحدة التي لا أعظم منها، فقالت نَذِيراً لِلْبَشَرِ
ثم قال تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ قال ابن كثير:
(أي: لمن شاء أن يقبل النذارة ويهتدي للحق، أو يتأخر عنها ويتولى ويردها)، وقال النسفي: (أي: لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير أو يتأخر عنه)، وعن الزجاج:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلى ما أمر أَوْ يَتَأَخَّرَ عما نهي. أقول: أقسم الله عزّ وجل بما أقسم به أن النار من أعظم ما ينذر به الكافر والمؤمن على السواء، أو أقسم الله عزّ وجل بما أقسم به أن من أعظم الأشياء الكبيرة أن يرسل الله نذيرا للبشر لمن يختار الهداية، أو يختار الضلال على السواء،
ثم بين الله عزّ وجل، لم كانت هذه القضية أعظم الأشياء، بأن ذكر حال الناس يوم القيامة حيث لا ينجو إلا من قبل دعوة النذير فصلى وأنفق وآمن فقال: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أي: رهن، قال النسفي: والمعنى: كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك، وقال ابن كثير في تفسير (رهينة): أي: معتقلة بعملها يوم القيامة
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ أي:
إلا المسلمين الذين قبلوا الإنذار وعملوا بمقتضاه، فإنهم فكوا رقابهم بالطاعة كما يخلص