السلام، ومجموعة تكلّمت عن سبأ، ومجموعة صدرت فيها أوامر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقول فيها كلاما، ومن ثمّ ففقراتها مبدوءة ب (قل ... ) وسنرى محلّ كلّ في السياق الخاص والعام، وإنّما سجّلنا هذه الملاحظة لنؤكّد على وحدة المقطع، بدليل وحدة بدايته ونهايته، ممّا يشير إلى أنّ ما سيق في الوسط يخدم ما جاء في أوله وآخره، وسنعرضه على أنّه خمس مجموعات: مقدّمة، وخاتمة، وثلاث مجموعات في الوسط.
[تفسير المجموعة الأولى]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلم، وإنما نكّروه مع أنه كان مشهورا علما في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم؛ تجاهلا به، وبأمره يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي فرّقتم كل تفريق، أي تفرّقت أجسادكم في الأرض، وذهبت فيها كل مذهب، أي يحدّثكم بأعجوبة من الأعاجيب أنكم تبعثون وتنشئون خلقا جديدا بعد أن تكونوا رفاتا وترابا، قد تمزّقت أجسادكم إِنَّكُمْ أي بعد هذه الحال لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي تعودون أحياء ترزقون بعد ذلك، قال ابن كثير:(هذا
إخبار من الله عزّ وجل عن استبعاد الكفرة الملحدين قيام الساعة، واستهزائهم بالرسول صلّى الله عليه وسلم في إخباره بذلك ... وهو في هذا الإخبار لا يخلو أمره عن قسمين: إما أن يكون قد تعمّد الافتراء على الله تعالى أنّه قد أوحى إليه ذلك أو أنّه لم يتعمّد لكن لبّس عليه كما يلبّس على المعتوه المجنون ... ) ومن ثمّ قال تعالى حكاية عن قولهم في رسوله:
أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي أهو مفتر على الله كذبا فيما ينسب إليه من ذلك أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أي أم به جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه؟! قال تعالى نافيا هذا وهذا: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ أي في الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ من الحق في الدنيا، أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه بل محمد صلّى الله عليه وسلم هو الصادق البارّ الرّائد الذي جاء بالحق، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء السائرون في طريق العذاب، والضالّون الضلال البعيد؛ لبعدهم عن الجادّة. قال النسفي في الآية: (قال سبحانه وتعالى: ليس محمد صلّى الله عليه وسلم من الافتراء والجنون في شئ، وهو مبرّأ منهما، بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار، وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق، وهم غافلون عن ذلك، وذلك أجنّ الجنون، جعل وقوعهم في العذاب رسيلا لوقوعهم في الضلال، كأنهما كائنان في وقت واحد، لأن الضلال لما كان العذاب من لوازمه جعلا كأنّهما