للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد تؤذيه وتكبله وتحبسه. أما الضمير. أما الروح. أما العقل. فلا يملك أحد حبسها ولا استذلالها إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال:

من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء تبعا للمستكبرين في العقيدة وفي التفكير وفي السلوك؟ من ذا الذي يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله والله هو خالقهم ورازقهم وكافلهم دون سواه؟ لا أحد. لا أحد إلا أنفسهم الضعيفة فهم ضعفاء لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة ولا لأنهم أقل جاها أو مالا أو منصبا أو مكانا .. كلا إن هذه كلها أعراض خارجية لا تعد بذاتها ضعفا يلحق صفة الضعف بالضعفاء، إنما هم ضعفاء لأن الضعف في أرواحهم وفي قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص

خصائص الإنسان.

إن المستضعفين كثرة. والطواغيت قلة. فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة، وماذا الذي يخضعها؟ إنما يخضعها ضعف الروح، وسقوط الهمة وقلة النخوة، والتنازل الداخلي عن الكرامة التي وهبها الله لبني الإنسان!

إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائما قادرة على الوقوف لهم لو أرادت فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!

إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء .. وهذه القابلية هي وحدها التي يعتمد عليها الطغاة.)

[كلمة في السياق]

بدأت السورة بتبيان الحكمة من إنزال الكتاب وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ثم جاء كلام عن موسى عليه السلام، وتكليفه بإخراج قومه من الظلمات إلى النور، وتذكيرهم بأيام الله، وما قاله لهم، وبذلك عرفنا أن مهمة الرسل الإخراج من الظلمات إلى النور، والتذكير بأيام الله، ثم يتوجه الخطاب إلى هذه الأمة بتذكيرها بأيام الله، وفعل الله للرسل، وفعله بالمكذبين بالرسل في الدنيا والآخرة.

وفي المجموعة الثالثة رأينا خطاب الرسل لأقوامهم في عملية الإخراج من الظلمات إلى النور، وموقف أقوامهم منهم، كما رأينا في المجموعة الرابعة عملية الإخراج من النور إلى الظلمات التي يقوم بها الشيطان، كما عرضها هو وقبيله في النار. وقد عرفنا من السياق أن الشك في الله من الظلمات، وأن الإيمان من النور، وأن التوكل على الله من النور،

<<  <  ج: ص:  >  >>