من قال يوما من الدهر: لا إله إلا الله، وإن لم يعمل خيرا قط، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولهذا قال تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا.
[كلمة في السياق]
رأينا في هذه الآيات موقفا للكافرين، وردا عليه، وإنذارا لهم، وتبشيرا للمتقين، ومجئ هذه الآيات بعد ما مرّ من السورة فيه إشارة إلى أن سبب الكفر والظلم، وترك الواجبات، واتباع الشهوات هو الكفر باليوم الآخر، فإذا تذكرنا محور السورة: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
رأينا واحدا من المواقف التي كان عليها الناس، والآن تسجل السورة علة أخرى من علل البشرية الصادة لها عن دين الله، إنّها تسجّل حالة عجيبة للنفس البشرية عند ما تقام عليها الحجة فتفر من الحق، إلى ما سواه، والعجيب أن الكافرين يزعمون أن المؤمنين لا يحكّمون عقولهم
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا أي القرآن أو الحجج والبراهين بَيِّناتٍ أي ظاهرات الإعجاز، أو واضحات الحجج والبراهين، فبدلا من أن يؤمنوا بها يفرون منها، ويعارضونها لا بالحجة بل بالاستدلال الفاسد، بأن حال الكافرين في الدنيا خير من حال المؤمنين قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أي عن الذين آمنوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ المؤمنين أو الكافرين خَيْرٌ مَقاماً أي أحسن منازل وأرفع دورا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا وأحسن مجلسا يجتمع القوم فيه للمشاورة. والندي: هو مجتمع الرجال للحديث، يفتخرون بناديهم أنه أعمر وأكثر واردا أو طارقا، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل؟! وأولئك الأقل والأفقر على حق؟! كأن ذلك هو العلامة على الحق والباطل، وليس الأمر كذلك. ولذلك قال تعالى في الرد عليهم:
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ أي أهل عصر، أي كثيرا من القرون أهلكنا هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً أي متاعا وَرِءْياً أي منظرا وهيئة. أي كانوا أحسن من هؤلاء أموالا، وأمتعة ومناظر وأشكالا، فلو كان متاع الدنيا ونعيمها علامة على رضى الله، أو علامة على كون الإنسان على حق لما أخذ أولئك. فالدنيا يعطيها الله من أحب ومن لا يحب، وقد يمنعها من يحب، ويعطيها من لا يحب. وبعد أن يرد الله عزّ وجل على منطق الكافرين هذا يأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يذكر سنته في الكافرين والمؤمنين، في صيغة إنذار