للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن خويزمنداد: واختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر. فقال مرة: هو خوف التلف من الصيام. وقال مرة: شدة المرض والزيادة فيه، والمشقة الفادحة. وهذا صحيح مذهبه. وهو مقتضى الظاهر. لأنه لم يخص مرضا من مرض.

فهو مباح في كل مرض، إلا ما خصه الدليل من الصداع، والحمى، والمرض اليسير الذي لا كلفة معه في الصيام. وقال الحسن: إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائما، أفطر. وقال النخعي: وقالت فرقة لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه إلى الفطر، ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر. وهذا قول الشافعي رحمه الله تعالى.

قلت (القائل القرطبي): قول ابن سيرين أعدل شيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

قال البخاري: اعتللت بنيسابور علة خفيفة، وذلك في شهر رمضان. فعادني إسحاق ابن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله؟ فقلت: نعم. فقال:

خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة. قلت: حدثنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان. كما قال الله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً. قال البخاري: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق. وقال أبو حنيفة: إذا خاف الرجل على نفسه وهو صائم، إن لم يفطر أن تزداد عينه وجعا، أو حماه شدة، أفطر.

[فصل في الصوم عند الأمم]

رأينا أن الله عزّ وجل قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. فالصوم شريعة الله عزّ وجل لكل الأمم في الماضي. لأن كل الأمم قد أرسل لها رسل عليهم الصلاة والسلام ولكن الأمم حرفت، وبدلت، ونسيت وتناست.

فأرسل الله عزّ وجل محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن الذي فيه كل الكتب، والذي صحح الإرث كله لمن عقل. ومما يدلنا على أن الله أرسل رسلا لكل الأمم قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ، وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ثم إنك تجد في إرث كل أمة بقايا، أو شذرات، تدلك على الوحي. من ذلك أنك تجد بقايا فكرة الصوم موجودة في الديانات القديمة المشهورة. وقد عقد الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه (الأركان الأربعة) فصلا عن الصوم في الديانات القديمة، استقاه من كتاب (سيرة النبي صلى الله عليه وسلم) لسليمان الندوي، الذي استقاه من دائرة المعارف البريطانية. وعقد فصلا عن الصوم عند اليهود، استقاه من دائرة المعارف اليهودية. وعقد فصلا عن الصوم عند النصارى، استقاه من دائرة معارف الأديان والأخلاق. وهذه هي الفصول الثلاثة:

<<  <  ج: ص:  >  >>