رأينا في الفائدة السابقة كيف أن الخرافات دخلت إلى كتبنا من خلال روايات موجودة عند أهل الكتاب تليق بباطلهم، ولا تليق بحقّنا. وفي سبب تسمية ذي القرنين، وفي زمانه، وفي عمله، وفي أفعاله، وفي صفات الأقوام الذين رآهم، وغير ذلك أقاويل ليس لها أي سند يمكن الاتكاء عليه. وقد نقل ابن كثير بعضها وأنكره، وأنكر على من نقله. ونقل بعضها فلم ينكره، مع أن مجرد ذكره من غير أصل يمكن الاتكاء عليه، فيه بعد عن الروح الإسلامية المستمدة من قوله تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فمما يذكره ولا ينكره: وأنّ الخضر كان وزيرا لذي القرنين، أن ذا القرنين طاف بالكعبة مع إبراهيم، ونحن ننكر ذلك أشد الإنكار، لأن تحديد زمن لم يحدده الله، عن الأنبياء وأحوالهم لا يكفي فيه قول القصاصين.
٣ - [حول ما قيل من أن ذي القرنين هو الإسكندر المقدوني تلميذ أرسطاطاليس]
يظن بعض الناس أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني تلميذ أرسطاطاليس، وينفي ابن كثير، وكثيرون من المفسرين، أن يكون المراد به هذا. لأن هذا وثني، وذاك رجل صالح، والذي أوصل إلى هذا اللبس كون الإسكندر المقدوني له فتوحاته الكثيرة في المشرق والمغرب، مما جعل الألوسي يرجّح أنه هو ذو القرنين، ويحتمل أن التاريخ ذكرت وثنيته أو كفره خطأ.
٤ - [رأي ابن كثير في المقصود باسم ذي القرنين]
يرجح ابن كثير أن سبب تسمية ذي القرنين بهذا الاسم هو بلوغه المشارق والمغارب. لأن العرب تسمي مشرق الشمس قرنها.
وكما أحاطت خرافات القصاصين وأهل الكتاب بقصة ذي القرنين، فقد أصابت كذلك موضوع يأجوج ومأجوج، سواء أصلهم، أو من هم، أو ما هي أوصافهم، وبعد أن ينقل ابن كثير واحدة من هذه الخرافات يقول: وهذا قول غريب جدا، ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب؛ لما عندهم من الأحاديث المفتعلة، والذى نلخصه في هذا الموضوع ما يلي:
١ - أن يأجوج ومأجوج من أبناء آدم، وأنهم يشكلون أكثرية بالنسبة لأهل الأرض في كل العصور. كما رأينا في الحديث الصحيح الذي ذكرناه في صلب التفسير.
٢ - قال ابن كثير: وفى مسند الإمام أحمد عن سمرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«ولد نوح ثلاثة: سام أبو العرب. وحام أبو السودان. ويافث أبو الترك» قال بعض