فلا تجد صورة أمامك إلا وتجد مرآة لها في هذا القرآن، وهذا مظهر آخر من مظاهر الإعجاز. ولنعد إلى التفسير:
...
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قال ابن كثير: أي حتى إذا مر سليمان بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ أي لا يكسرنكم أو لا يدهسنكم سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي وهم لا يعلمون بمكانكم، أي لو شعروا لم يفعلوا، قالت ذلك على وجه العذر واصفة سليمان وجنوده بالعدل
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها متعجبا من حذرها، واهتدائها لمصالحها، ونصيحتها للنمل، وفرحا لظهور عدله حتى أحست به الحيوانات، وراعته في مخاطباتها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أي ألهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ من النبوة والملك والعلم وَعَلى والِدَيَّ لأن الإنعام على الوالدين إنعام على الولد وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً أي في بقية عمري عملا تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ أي لا بصالح عملي إذ لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله كما جاء في الحديث الصحيح فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ أي في زمرة أنبيائك المرسلين، أو مع عبادك الصالحين. أي إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك، والرفيق الأعلى من أوليائك، وهكذا نجد سليمان يقابل كل مظهر من مظاهر الإنعام بالشكر.
[فوائد]
١ - قال ابن كثير:(ومن قال من المفسرين إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره، وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب، أو غير ذلك من الأقاويل فلا حاصل لها).
٢ - استطرادا بمناسبة ذكر النملة قال ابن كثير: (وقد روى ابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود عليهما السلام يستسقي فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها، رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك، وإلا تسقنا تهلكنا. فقال سليمان؛ ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وقد ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قرصت نبيا من الأنبياء نملة فأمر بقرية