إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ أي: وما يهلكون إلا أنفسهم بمعنى أنّ الضرر لا يتعدّاهم إلى غيرهم، وإن كانوا يظنّون أنّهم يضرّون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكنّهم لا يشعرون بهذا، هذا حالهم في الدنيا، فكيف يكون حالهم يوم القيامة؟
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ. أي: إذا أروها حتى يعاينوها، أو حبسوا على الصراط فوق النار، أي لو رأيت هذا المشهد لشاهدت أمرا عظيما فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ تمنّوا الرّدّ إلى الدّنيا ليؤمنوا وليتركوا التكذيب، والمعنى: يا ليتنا نردّ وإن رددنا لم نكذب بل نكون من المؤمنين، ولكن أنّى لهم الرجوع؟
بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ. أي: بل ظهر لهم ما كانوا يخفون من الناس في الدنيا من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم، وإذ ظهر هذا فقد قامت الحجة عليهم وَلَوْ رُدُّوا. أي: إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. أي: فيما وعدوا من أنفسهم فإنهم لا يوفون به، فأيّ طبيعة هذه الطّبيعة؟ إذا عرفنا هذا أدركنا لم استحقوا الخلود في النار، لأنهم لو بقوا أبدا لكانوا كافرين أبدا.
وبهذا تكون المجموعة الثانية من هذه الجولة قد انتهت، وفيها كما في المجموعة الأولى موقف للكافرين في الدنيا، ومشهد من مشاهد يوم القيامة، ولننتقل إلى المجموعة الثالثة لنجد موقفا في الدنيا ومشهدا من مشاهد يوم القيامة.
[المجموعة الثالثة]
وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا. أي: ما هي إلا هذه الحياة الدنيا ثم لا معاد بعدها ولا حشر ولا نشر، وأكدوا هذا المعنى بقولهم وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وهذا أعظم الجهل؛ لأنّ من عرف الله وقدرته لم يستغرب خلقه لنا مرة ثانية، ومن عرف الله وعرف عدله أيقن بالحساب والجزاء في دار غير هذه الدار، وقد أخبر الله أنّه فاعل على لسان رسله عليهم السلام، فأيّ جهل بعد ذلك أن لا يؤمن الإنسان بالبعث
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ. أي: أوقفوا بين يديه وهو تعبير عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه فماذا يقول الله لهم في هذا الموقف قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ. أي: أليس البعث وهذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تزعمون، وقوله بالحق أي بالكائن الموجود، وهذا تعيير لهم على التكذيب بالبعث وقولهم