تعالى «وَهُوَ» ومنتهية بقوله تعالى وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ فما بين بداية المقطع ونهايته صلة واضحة.
[المعنى العام]
يكرّر الله- عزّ وجل- في بداية هذه الجولة ذكر قهره لعباده. فهو الذي قهر كل شئ، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شئ. وأنّه يرسل من الملائكة من يحفظون بدن الإنسان ويحصون عمله، وأنه إذا حان أجل الإنسان واحتضر توفته الملائكة المكلفون بذلك، وأن هؤلاء الملائكة لا يفرّطون في حفظ روح المتوفى بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله- عزّ وجل- إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجّار ففي سجين. وأنّ مردّ الخلائق كلّهم إلى الله يوم القيامة، فيحكم فيهم بعدله وهو الذي له الحكم وحده وهو الأسرع حسابا، وبعد أن ذكر الله قهره، وبعض مظاهر قهره، امتنّ على عباده في إنجائه المضطرين منهم من ظلمات البرّ والبحر وهم الحائرون الواقعون في المهامة البريّة، وفي اللجج البحريّة إذا هاجت الرياح العاصفة فحينئذ يفردون الدعاء له وحده لا شريك له، جهرا وسرا، واعدين الله أنه إن أنجاهم من ضائقتهم هذه ليكوننّ من الشاكرين لله بالقيام بأمره. وهنا أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول ويعلن أن الله وحده هو الذي ينجي من هذه الظلمات، ومن كل كرب، ثم بعد هذا الإنجاء يوجد من يشركون بعبادته ودعائه آلهة أخرى. وبعد أن ذكر الله- عزّ وجل- مظهرا من مظاهر قهره، ورحمته، وكفر عباده، ذكر الله- عزّ وجل- مظاهر أخرى من مظاهر قهره، فذكّر بقدرته على أن يبعث عذابا من فوق رءوس عباده، وعلى أن يبعث عذابا من تحت أرجلهم، أو يجعلهم ملتبسين شيعا: فرقا متخالفين، ويسلّط بعضهم على بعض بالعذاب والقتل، ثمّ ذكر أنّه يوضح الآيات، ويبيّنها، ويفسّرها؛ من أجل أن يفهموا ويتدبّروا عن الله آياته وحججه وبراهينه.
وبعد هذا البيان ذكر الله- عزّ وجل- تكذيب قوم محمّد صلّى الله عليه وسلّم للقرآن، وهو الحق الذي ليس وراءه حق، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن أنّه ليس عليهم بحفيظ، وأنّ لكل نبأ حقيقة، ولكل خبر وقوعا، ولو بعد حين. وأنهّم سيرون ويعلمون، وفي هذا تهديد ووعيد لهم على تكذيبهم ما لا يحتمل التكذيب، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم- وهو أمر لكل مؤمن- أنّه إذا رأى الذين يكذّبون بآيات الله أن يعرض عنهم حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب، وفي حالة الجلوس نسيانا، فقد