بدأت السورة بآيات أوصلت إلى قوله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ... ثمّ سارت حتى قاربت الختام فقالت: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ. ثمّ استقرت على قوله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ فإن توليتم عن الجهاد، وحمل راية الإسلام، وقتال الكافرين والمنافقين، فسيحمل الراية شعب آخر.
٥ - [معرفة بعض أسرار الوحدة القرآنية من خلال سورة القتال]
قلنا إن سورة القتال فصّلت في محورها، وفي ارتباطاته وامتدادات معانيه، ولو أننا جمعنا الآيات التي أصابها تفصيل من سورة البقرة، وربطناها ببعضها، ووقفنا عند كل آية منها، لرأينا عجبا، ولطال بنا المقام، ونكتفي بضرب أمثلة:
ا- في الآية التي سبقت محور السورة ورد قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وقد رأينا في سورة البقرة نفسها من يستحق الإضلال، وذكرت سورة القتال من يستحق الهداية فقالت وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ فعرفنا سرا من أسرار الهداية، فالتقوى هبة من الله تكون مكافأة على الاهتداء، والاهتداء يحتاج إلى جهد إيجابي ذكرته سورة العنكبوت، وملخص ذلك أن الهداية تكون أثرا عن المجاهدة في ذات الله وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا والهداية يكافئ الله عليها بالتقوى، من هذا المثال تدرك الصلات بين سور قسم المثاني، وبين القسم وبقية القرآن.
ب- تحدّثت السورة عن الصدّ عن سبيل الله، وعن الكفر والنفاق، وعن الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم، وكل ذلك تفصيل مباشر للمحور.
ج- لا يوقف الإفساد في الأرض إلا القتال: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ومن ثم كانت آيات القتال في سورة البقرة امتدادا لآية المحور، وقد فصلت فيها:
فمن آيات القتال في سورة البقرة: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وفي سورة القتال قال تعالى فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ....
وفي آيات القتال في سورة البقرة ورد قوله تعالى: وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ. وفي سورة القتال قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ