النسفي: فقد جعل أكثر الأنبياء من ذريته وأئمة الدين في القرون الباقية من نسله وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ المراد إما الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا معه جماعات، أو سموا أمما لأن الأمم تتشعب منهم، أو المراد وعلى أمم ناشئة ممن معك وهي الأمم إلى آخر الدهر وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا بالسعة في الرزق والخفض في العيش، والتقدير: وممن معك أمم سنمتعهم ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ أي في الآخرة.
والمعنى: أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشئون معك، ومن ذرية من معك أمم ممتعون بالدنيا، منقلبون إلى النار. ثم عقب الله عزّ وجل على قصة نوح مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم لتأخذ القصة مكانها في السياق، ولتؤدي دورها في التمثيل على بعض المعاني الموجودة في المقطع الأول
تِلْكَ أي قصة نوح مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ أي تلك القصة بعض أنباء الغيب موحاة إليك مجهولة عندك وعند قومك مِنْ قَبْلِ هذا أي من قبل هذا الوقت، أو من قبل إيحائي إليك وإخبارك بها فَاصْبِرْ على تبليغ الرسالة، وأذى قومك، كما صبر نوح، وتوقع في العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما كان لنوح ولقومه إِنَّ الْعاقِبَةَ في الفوز والنصر والغلبة لِلْمُتَّقِينَ الذين عبدوا الله حق العبادة وأطاعوه حق الطاعة. قال ابن كثير في هذه الآية: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: هذه القصة وأشباهها مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ يعني من أنباء الغيوب السالفة، نوحيها إليك على وجهها كأنك شاهدها، نُوحِيها إِلَيْكَ أي نعلمك بها وحيا منا إليك ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا أي لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها، حتى يقول من يكذبك إنك تعلمتها منه، بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح، كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك، فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك، وأذاهم لك، فإننا سننصرك، ونحوطك بعنايتنا، ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، كما فعلنا بالمرسلين، حيث نصرناهم على أعدائهم إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية (غافر: ٥١)، وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ الآية (الصفات: ١٧١، ١٧٢)، وقال تعالى فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
قال صاحب الظلال في هذه الآية: (فيحقق هذا التعقيب من أهداف القصص القرآنى في هذه السورة:
حقيقة الوحي التي ينكرها المشركون. فهذا القصص غيب من الغيب، ما كان يعلمه