لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر والإرشاد إلى ما يتم به، من معرفة بالله وبما أعد للشهداء والصابرين. وقد أمر بهذه الآية بالاستعانة بالصبر والصلاة فهما أجود ما يستعان به على تحمل المصائب. وفي الحديث «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» والصبر صبران: صبر على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثوابا، لأنه المقصود. وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب، فذاك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب.
ويدخل بالأمر بالاستعانة بالصبر، الصوم لأنه نصف الصبر. كما يدخل بالأمر بالاستعانة بالصلاة قراءة الفاتحة والدعاء. لأن الفاتحة صلاة ولأن الدعاء صلاة. ولكن المقصود الرئيسي من الصبر التصبر. فإذا وضح هذا نقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ لأنه به تنال كل فضيلة وَالصَّلاةِ لأنها تنهى عن كل رذيلة وتعطي صاحبها اطمئنانا. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصر والمعونة. قال عليه الصلاة والسلام «عجبا للمؤمن لا يقضي له الله قضاء إلا كان خيرا له .. إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له».
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:«الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان. والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله». وقال سعيد بن جبير:«الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه. وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر».
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ، يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون كما جاء في صحيح مسلم:«إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت. ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: ماذا تبغون. فقالوا: يا ربنا وأي شئ نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك. ثم عاد عليهم بمثل هذا. فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى. لما يرون من ثواب الشهادة. فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون».
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نسمة المؤمن طائر تعلق