كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ليس لنا ما نقوله حول هذه الآيات سوى الكلام عن أهل الأيكة، والأيكة في اللغة: هي الغيضة تنبت ناعم الشجر. والمفسرون مختلفون: هل أصحاب الأيكة هم أهل مدين نفسها، أو أنهم غيرهم؟ وقد أرسل شعيب مرتين: مرة لمدين، ومرة لأهل الأيكة؟ للمفسرين قولان في هذا الشأن، وبعضهم يرى أن شعيبا أرسل ثلاث مرات، وقد كانت المرة الثالثة لأصحاب الرس، والذي رجحه ابن كثير: أن أصحاب الأيكة هم أهل مدين. بدليل أنهم أمروا بوفاء المكيال والميزان، كما ورد في قصة مدين سواء بسواء. وقد رد ما استدل به بعضهم من أحاديث أو آثار بأنها ضعيفة، أو غريبة، أو غير مرفوعة. ومن كلامه في هذا المقام:(هؤلاء- يعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم، وإنما لم يقل هاهنا أخوهم شعيب لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة وهي شجرة وقيل شجر ملتف كالغيضة، كانوا يعبدونها، فلهذا قال: كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ولم يقل: إذ قال لهم أخوهم شعيب وإنما قال: إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسبا. ومن الناس من لم يفطن لهذه النكتة، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيبا عليه السلام بعثه الله إلى أمتين ومنهم من قال إلى ثلاث أمم .. والصحيح أنهم أمة واحدة وصفوا في كل مقام بشيء، ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصة مدين سواء بسواء. فدل ذلك على أنهما أمة واحدة).
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ أي أتموه ولا تنقصوا الناس حقوقهم. قال النسفي:(فالكيل واف وهو مأمور به، وطفيف وهو منهي عنه، وزائد وهو مسكوت عنه، فتركه دليل على أنه إن فعله فقد أحسن، وإن لم يفعل فلا شئ عليه)
وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ أي الميزان أو القبان الْمُسْتَقِيمِ أي الذي لا عوج فيه
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي لا تنقصوهم حقوقهم المالية وغيرها وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ أي ولا تبالغوا فيها في الإفساد، كأن تقطعوا الطريق، وتغيروا وتهلكوا الزروع
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ أي وحلق الجبلة الْأَوَّلِينَ أي وخلق الخلق الأولين. فالجبلة: هي الخلق، فماذا كان جوابهم على هذه الأوامر والنواهي العادلة؟