بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» وقد قال بعض المفسرين كما رواه مالك عن زيد بن أسلم: إن هذه الآية ناسخة للتي في آل عمران وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال: لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى هذه الآية تخفيفا على المسلمين فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فنسخت الآية الأولى، وروي عن أبي العالية وزيد ابن أسلم وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان نحو ذلك). أقول: هي مفسرة وليست ناسخة- والله أعلم- لاحظ صلة هذه الآية بقوله تعالى في سورة البقرة: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها مما يشير إلى أن هذه الآية في سورة البقرة ألصق بمعاني مقدمتها.
٥ - بمناسبة قوله تعالى: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ قال ابن كثير: (كما ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يقول: «من يقرض غير ظلوم ولا عديم».
...
[كلمة أخيرة في سورة التغابن وزمرة المسبحات]
لاحظنا أن المسبحات كلها فصلت في مقدمة سورة البقرة، كما لاحظنا أن المسبحات كلها اشتركت في وجود النداء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فيها. فهي تفصل في الأساس، وطريق تحقيق هذا الأساس، وبشكل يكمل بعضه بعضا، ونلاحظ أن اسمي (العزيز الحكيم) قد وردا فيها جميعا، إما في الأول، أو في الآخر أو في الأول والآخر بآن واحد، كما رأينا ذلك في سورة الحشر، ورأينا أن الضمير (هو) ورد في أوائلها جميعا- تقريبا- في بداية آية ما عدا سورة الصف. هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ... سورة الحديد. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ سورة الحشر. هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ سورة الجمعة. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ سورة التغابن. مما يشير إلى أن المسبحات عامة ركزت على نقطة البداية الأولى التي ينبثق عنها كل المعاني، وهي موضوع الإيمان