للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جئت على قدر الرسالة والنبوة. والمعنى بشكل عام.

ثم جئت على موعد مع قدرنا لتكون رسولا نبيا وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أي اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي، لتتصرف على إرادتي ومحبتي. قال الزجاج في معناها أي: اخترتك لأمري، وجعلتك القائم بحجتي، والمخاطب بيني وبين خلقي، كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم

اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي أي بحجتي وبراهيني ومعجزاتي وَلا تَنِيا أي ولا تفترا فِي ذِكْرِي أي لا تضعفا فيه، والمراد أن عليهما ألا يفترا عن ذكر الله في كل حال، ومن ذلك تبليغ الرسالة، ومواجهة فرعون، دل ذلك على أن رجل الدعوة لا ينبغي أن يفتر عن ذكر الله، ومتى فتر قصر، ولم يستطع الدعوة والمتابعة والمواجهة والمجابهة على ما يقتضيه أمر الله

اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى أي جاوز الحد بادعائه الربوبية

فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً أي ألطفا له في القول لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أي يتعظ ويتأمل؛ فيذعن للحق ويلتزم به أَوْ يَخْشى أي أو يخاف الله فيحدث له الخوف طاعة، وفي هذه الآية عبرة وعظة كبيرتان للدعاة؛ فموسى عليه السلام صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين، وأن تكون دعوتهما له بكلام رقيق لين سهل رفيق؛ ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، ولكن هذا في ابتداء الدعوة، وعند إقامة الحجة، أما بعد ذلك فقد لاحظ أن موسى قال كما قصه الله لنا في سورة الإسراء وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا) بينا درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن أول الدرجات التعليم، ثم الوعظ ثم ... ولا شك أن الخطاب يختلف باختلاف المخاطب، واختلاف حاله ودل قوله تعالى لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى أن مهمة الداعية إلى الله إما تذكير الإنسان بتعليمه الحقائق، وإما إثارة الخشية في قلبه من الله تعالى.

[فائدة]

بمناسبة قوله تعالى: ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى ننقل ما قاله صاحب الظلال في شأن عودة موسى إلى مصر: (ويعود إلى البلد الذي نشأ فيه، والذي فيه قومه بنو إسرائيل يعيشون تحت سياط فرعون وقهره. لماذا عاد. وقد خرج من مصر طريدا.

قتل قبطيا فيها حين رآه يقتتل مع إسرائيلي، وغادر مصر هاربا وبنو إسرائيل فيها يسامون العذاب ألوانا، حيث وجد الأمن والطمأنينة في مدين إلى جوار صهره الذي آواه وزوجه إحدى ابنتيه. إنها جاذبية الوطن والأهل تتخذها القدرة ستارا لما تهيئه لموسى من

<<  <  ج: ص:  >  >>