الباطلة، من طول الأعمار وبلوغ الآمال، ودخول الجنة بلا عمل، وتحقيق الأهداف بلا أخذ بالأسباب. وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ. البتك: القطع.
والتبتيك: للتكثير والتكرير. والمعنى ولأحملنهم على أن يقطعوا آذان الأنعام، كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا، وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها. قال قتادة والسدي وغيرهما في تفسير التبتيك: يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة، وسيمر تفسيرها في سورة المائدة.
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ من مثل فقء عين الحامي، وإعفائه عن الركوب، والخصاء، وهو مباح في البهائم محظور في بني آدم. والوشم، والنمص، والتنمص، والتفليج للحسن، وتغيير الشيب بالسواد، والتحريم والتحليل، والتخنث، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال. وأهم من ذلك تبديل فطرة الله التي هي دين الإسلام بصرف الناس عنها. وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: مجيبا إلى ما دعاه إليه. فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً. أي: واضحا، وأي خسارة أعظم من خسارة الهدى في الدنيا، وخسارة الآخرة بدخول النار.
يَعِدُهُمْ. أي: يوسوس إليهم أن لا جنة ولا نار، ولا بعث، ولا حساب.
وَيُمَنِّيهِمْ. أي: يجعلهم يتمنون ما لا ينالون. وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً. أي: يريهم الأمر على خلاف ما هو، وهذا هو الغرور، رؤية الإنسان نفسه على خلاف ما هو.
أُولئِكَ. أي: أولياء الشيطان المستجيبون له، مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً. أي: معدلا ومفرا، أو مندوحة، أو مصرفا، أو خلاصا، أو مناصا. وبعد أن ذكر الله- عزّ وجل- حال أولياء الشيطان، ذكر حال السعداء، والأتقياء، وما لهم من الكرامة التامة.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فخالفوا الشيطان، فلم يتبعوه بالكفر أو بعمل السوء سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. أي: بلا زوال ولا انتقاص وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا. أي: هذا وعد من الله، ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا. أي: لا أحد أصدق منه.
وفائدة هذه التوكيدات مقابلة مواعيد الشيطان الكاذبة لقرنائه، بوعد الله الصادق لأوليائه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته:«إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».