الكافرين جميعا أعداؤه، وأنهم لا يريدون به خيرا، ولا يريدون له خيرا كما سنرى في الآية اللاحقة للآية التي نحن بصددها. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا أي وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلقي عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة، وليكن سماعكم سماع قبول وطاعة، ولا يكن سماعكم كسماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا. وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ أي ولليهود وأشباههم من الكافرين جميعا ممن يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسيئون الأدب معه، ويرفضون السماع له عذاب مؤلم.
أخرج ابن أبي حاتم:«أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال: اعهد إلي فقال: إذا سمعت الله يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فارعها سمعك، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه».
ثم تأتي الآية التالية للآية الأولى لتؤكد أن الكافرين- سواء كانوا كتابيين أو مشركين- يكرهون أن يصيب المسلمين أي خير من ربهم. فهي تكمل الآية السابقة فكأنها تقول للمسلم: كيف تتابع أعداء الله وتقلدهم وتترك طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
وأعداء الله يعادونك، ويحاربونك، ويكرهون لك الخير:
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ الخير هنا الوحي، وبين الله عزّ وجل في هذه الآية شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين الذين حذر الله تعالى من تقليدهم ومحاكاتهم؛ ليقطع المودة بيننا وبينهم. ونبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ المراد بالرحمة هنا النبوة والوحي والشريعة وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وفي هذا إشعار بأن إيتاء النبوة من الفضل العظيم على الرسول وعلى المستجيبين له.
بين سياق المقطع الانحراف الخطير الذي وقع فيه أهل الكتاب، فكان مقتضى هذه المعرفة أن يكون المسلم في علاقته بأهل الكتاب- فضلا عن غيرهم- على حذر، وخاصة في المتابعة والطاعة، وكيف لا وقد خصت هذه الأمة بالخير وبالفضل، أفتترك هذه الأمة هذا الخير وهذا الفضل وتتابع أعداءها ممن لا خير عندهم ولا فضل ولا يريدون بهذه الأمة خيرا.