لا تملك لمنطقه ردا. كذلك يخاطب الناس بما في علاقتهم بهذا الكون من تناسق. وهم يجدون هذا في حياتهم فعلا. فهذا الليل الذي يسكنون فيه، وهذا النهار الذي يبصرون به، هما ظاهرتان كونيتان شديدتا الاتصال بحياتهم. وتناسق هذه الظواهر الكونية مع حياة الناس يحسونه هم- ولو لم يتعمقوا في البحث و «العلم». ذلك أن فطرتهم الداخلية تفهم عن هذا الكون لغته الخفية.
وهكذا لم يكن البشر في عماية عن لغة الكون حتى جاءتهم «العلوم الحديثة» لقد كانوا يفهمون هذه اللغة بكينونتهم كلها. ومن ثم خاطبهم بها العليم الخبير منذ تلك القرون. وهي لغة متجددة بتجدد المعرفة، وكلما ارتقى الناس في المعرفة كانوا أقدر على فهمها، متى تفتحت قلوبهم بالإيمان، ونظرت بنور الله في هذه الآفاق)
[كلمة في السياق]
ناقشت السورة حتى الآن الشك في القرآن من ناحيتين: أولا: من ناحية ما ادعاه الكافرون: أن الله أعظم من أن ينزل وحيا، وبالتالي فهذا القرآن ليس وحيه، وفندت ذلك، وثانيا من ناحية كون الرسول صلى الله عليه وسلم مفتريا على الله بنسبة هذا القرآن إليه، وفندت ذلك. وإذ تبين أن هذا القرآن لا شك فيه أنه من عند الله، فقد بين الله عزّ وجل خصائص كتابه ممتنا على خلقه بأن أنزل لهم هذا القرآن، والآن يأتي مقطعان من القسم الثاني: الأول: يقص علينا قصة نوح ومن جاء بعده من الرسل عليهم السلام، ثم قصة موسى وهارون عليهما السلام، وهذه القصص في هذا المقام نموذج على أن الله قد أرسل رسلا قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليهم وحيا، وقد بشروا وأنذروا، فكأن الله عزّ وجل بعد أن أقام الحجة على نفي العجب أن يرسل رسولا، يضرب الأمثال هنا على أن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعا. ثم يأتي المقطع الأخير من القسم الثاني ليناقش الشك بهذا القرآن، وبهذا الرسول مرة ثانية، ليختم السورة بالدعوة إلى اتباع القرآن وترك الشك. وبهذا تختم السورة بعد أن فصلت أن هذا القرآن لا ريب فيه، وأن فيه الهدى فليهتدوا. وهذا هو المقطع الثاني من القسم الثاني: