للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحدث الآتي وهو نسيان الحوت. قال تعالى: نَسِيا حُوتَهُما أي نسي أحدهما وهو يوشع الحوت، لأنه كان صاحب الزاد، ونسب النسيان للاثنين لأن آثار النسيان تعود عليهما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ أي طريقه فِي الْبَحْرِ سَرَباً أي دخل فيه واستتر

فَلَمَّا جاوَزا أي مجمع البحرين. وسارا ما شاء الله أن يسيرا قالَ أي موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً أي تعبا، لم يتعب ولا جاع قبل ذلك، قبل مجاوزة المكان الذي هو الموعد للقاء الخضر عليه السلام

قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ وما أنساني أن أذكر لك أمره إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ أي بإلقاء الخواطر الشاغلة في القلب وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً وهو أن أثره بقي إلى حيث سار

قالَ موسى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ أي ذلك ما كنا نريد ونطلب فَارْتَدَّا أي رجعا عَلى آثارِهِما أي طريقهما قَصَصاً أي يقصان آثار مشيهما ويقفوان أثرهما، لأن ذهاب الحوت كان علما على لقاء الخضر عليه السلام

فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا أي الخضر مسجّى بثوب كما مر معنا في رواية البخاري آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هي الوحي والنبوة أو الولاية وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً أي بدون واسطة أي بالإلهام

قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً أي علما ذا رشد، أرشد به في ديني، وفيه دليل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته، وأن يتواضع لمن يتعلم منه

قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً أي إنك لا تقدر على مصاحبتي لما ترى مني من الأفعال التي قد تخالف شريعتك، لأني على علم من علم الله ما علمكه الله، وأنت على علم من الله ما علمنيه الله، فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه، فأنت لا تقدر على صحبتي

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً نفى استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد، وعلّل ذلك بأنه يتولى أمورا هي في ظاهرها مناكير، والرجل الصالح لا يتمالك إلا أن يجزع إذا رأى ذلك، فكيف إذا كان نبيا! فكأنه قال له: أنا أعرف أنك ستنكر عليّ ما أنت معذور فيه على ما لم تطّلع حكمته ومصلحته الباطنة، التي اطلعت أنا عليها دونك.

قالَ أي موسى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً أي على ما أرى من أمورك فلا أنكر ولا أعترض وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً أي ولا أخالفك في شئ، فعندئذ شارطه الخضر عليه السلام:

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً أي فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ ابتداء، حتى أبدأك أنا قبل أن تبدأني، أي

<<  <  ج: ص:  >  >>