تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها، ولا أنه غيره لما رأت من آثاره وصفاته وإن غير وبدل ف قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ أي يشبهه ويقاربه وهذا غاية في الذكاء والحزم). وقال النسفي:(فأجابت أحسن جواب، فلم تقل هو هو، ولا ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقطع في المحتمل للأمرين، أو لما شبهوا عليها بقولهم: أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها كأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها).
فقال سليمان تعليقا وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ القول الراجح: أن هذا كله كلام سليمان، ويحتمل أن يكون وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ من كلام سليمان، وأن يكون ما بعده كلاما مستأنفا لله عزّ وجل. والمعنى: أنها أوتيت علما وذكاء، ولكن الله أعطانا قبلها علما مع كوننا مسلمين. ويبدو أن رؤية العرش لم تكن كافية لإسلامها لتأصل الكفر، وعبادة الشمس عندها،
ومن ثم وضعها سليمان في وضع نفسي آخر:
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ أي القصر أو صحن الدار فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً أي ماء عظيما وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها من أجل أن تخوض فيه قالَ لها إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ أي مملس مستو ومنه الأمرد مِنْ قَوارِيرَ من الزجاج عندئذ أسلمت فقالت: قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بعبادة الشمس وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وبهذا تنتهي القصة بنهاية عرفنا فيها كيف أن سليمان يسخر كل شئ من أجل الإسلام.
[فوائد]
١ - في مقام الحديث عن بلقيس نجد بعض المفسرين ينقل ما هب ودب، مما لا يفهم من السورة، ومما ليس فيه نص عن رسولنا عليه الصلاة السلام. وقد نقل مثل هذه الأقوال ابن كثير ثم علق على ذلك بقوله:(والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما وجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ، وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ولله الحمد والمنة). أقول: ومن كلام ابن كثير نفهم قيمة ما يورده المفسرون في هذا المقام، من كون بلقيس بنت جنية، وكون سليمان أقام