للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير]

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا محمد وهو خطاب لأمته كلها أي لكل إنسان فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ فإنك ستعلم منهم أن الله أرسل رسلا كثيرين، وأنزل عليهم وحيا يشبه الوحي الذي أنزل عليك، ومع كثرة التحريف فإن ما يدل على هذا القدر موجود، وهكذا بعد أن هدم الله كل حجة للكافرين والمرتابين، فتح منفذا آخر يزول به الشك في أصل الإرسال وأصل الوحي، ثم قرر الله عزّ وجل أن المسألة أوضح من أن يشك فيها لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وهو حق قامت عليه من الأدلة ما لا يبقى شك فيه لعاقل، وإذ كان الأمر كذلك فقد صدر في هذا المقام نهيين:

الأول: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ أي الشاكين.

النهي الثاني: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ أيا كانت في الأرض أو في السماء أو في القرآن أو في المعجزات فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ بسبب التكذيب، وإذ توجه النهي لرسولنا عليه الصلاة والسلام- وهو أول المنفذين لأمر الله- فإنه قال: «لا أشك ولا أسأل».

كما روى ذلك قتادة وابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري.

وبعد أن بين الله عزّ وجل أن فيما عند أهل الكتاب من العلم ما يبعد الشك بأصل الوحي وإرسال الرسل. وبعد أن نهى الله رسوله عن الشك والتكذيب وهو نهي لأمته، وهو نهي جاء بعد تقرير أن ما أنزله الله على رسوله هو الحق، وهو في هذا المقام يفيد أن هذا الكتاب لا محل فيه للشك، وأن آياته من الوضوح بالمكان الأعلى، فلا يكذب بها إلا من لا يخضع لحجة، بعد هذا كله يقرر الله قاعدة وينذر إنذارا:

إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ أي وجبت عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ بالعذاب لا يُؤْمِنُونَ لا لنقص بالآيات ولا لانعدامها

وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ فإنهم لا يؤمنون حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ وعندئذ يؤمنون، ولكنه إيمان لا ينفعهم؛ لأن سنة الله أنه إذا أرسل عذابه لا ينفع إيمان. مستثنى من ذلك حادثة واحدة هي حادثة قوم يونس

فَلَوْلا أي فهلا كانَتْ قَرْيَةٌ أي أهل قرية آمَنَتْ عند ما رأت العذاب فَنَفَعَها إِيمانُها أي لم تكن قرية نفعها الإيمان بعد إذ رأت العذاب إِلَّا أي لكن قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا أي عند رؤية أمارة العذاب فهؤلاء فقط نفعهم إيمانهم رحمة من الله بهم كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ أي إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>