قال صاحب الظلال في تعليقه على قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا:
(وإنها لصيحة مزلزلة مذهلة في هذا السياق، وفي هذه الظلال، وبعد هذا التمهيد الطويل، الذي ترتعش له القلوب:
ومن ثم سجدوا. سجدوا وهم مشركون. وهم يمارون في الوحي والقرآن.
وهم يجادلون في الله والرسول!
سجدوا تحت هذه المطارق الهائلة التي وقعت على قلوبهم والرسول- صلى الله عليه وسلم- يتلو هذه السورة عليهم. وفيهم المسلمون والمشركون. ويسجد فيسجد الجميع- مسلمين ومشركين- لا يملكون أن يقاوموا وقع هذا القرآن؛ ولا أن يتماسكوا لهذا السلطان ...
ثم أفاقوا بعد فترة فإذا هم في ذهول من سجودهم كذهولهم وهم يسجدون!
بهذا تواترت الروايات. ثم افترقت في تعليل هذا الحادث الغريب. وما هو في الحقيقة بالغريب. فهو تأثير هذا القرآن العجيب ووقعه الهائل في القلوب!).
أقول: هذا هو التعليل المناسب لسجود المشركين عند ما سمعوا هذه السورة فترتب على ذلك عودة بعض مهاجري الحبشة، لا كما زعم بعضهم من قصة الغرانيق الباطلة سندا ومعنى.
[كلمة في السياق]
١ - بعد أن أقام الله عزّ وجل الحجة على المعرض البخيل قال تعالى: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى مبينا أن هذا القرآن من جنس ما أنزل على الرسل السابقين، ثم أنذر بقرب الساعة، ثم أنكر على الكافرين تعجبهم من القرآن واستهزاءهم به، وعدم خشوعهم وإعراضهم وغفلتهم، ثم أمر بالسجود له تعالى والعبادة، وهكذا اجتمعت الحجج والإنذارات لتبعد الإنسان عن الإعراض والبخل، ولتوصله إلى الخضوع والسجود، وهكذا تعاونت مجموعات السورة لتربي على الاهتداء بكتاب الله، والإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق، والإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل من قبله، والإيمان بالآخرة، وتبيان أن الأتقياء هم المفلحون المجازون بالجنة، كل هذه المعاني عرضتها السورة في مجموعاتها الثلاث، فكانت تفصيلا لمحور السورة من سورة البقرة، ولعله من المفيد أن نلاحظ صلة قوله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ... بقوله تعالى في محور السورة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ