للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين يدي سورة الحشر]

قدم الألوسي لسورة الحشر بقوله: (قال البقاعي: وتسمى سورة- بني النضير- وأخرج البخاري، وغيره عن ابن جبير قال: قلت لابن عباس سورة الحشر، قال: قل: سورة بني النضير. قال ابن حجر: كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد به يوم القيامة وإنما المراد إخراج بني النضير.

وهي مدنية، وآيها أربع وعشرون بلا خلاف، ومناسبتها لما قبلها أن في آخر تلك كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وفي أول هذه فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وفي آخر تلك ذكر من حاد الله ورسوله، وفي أول هذه ذكر من شاق الله ورسوله، وأن في الأولى ذكر حال المنافقين واليهود وتولي بعضهم بعضا، وفي هذه ذكر ما حل باليهود وعدم إغناء تولي المنافقين إياهم شيئا، فقد روي أن بني النضير كانوا قد صالحوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر يوم بدر قالوا: هو النبي الذي نعت في التوراة لا ترد له راية، فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة، فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة، فأخبر جبريل عليه السلام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك، فأمر بقتل كعب فقتله محمد بن سلمة غيلة وهو عروس بعد أن أخذ بقود رأسه أخوه رضاعا أبو نائلة سلكان بن سلامة أحد بني عبد الأشهل، وكان عليه الصلاة والسلام قد اطلع منهم على خيانة حين أتاهم يستعينهم في دية المسلمين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري عند منصرفه من بئر معونة؛ فهموا بطرح الحجر عليه صلى الله تعالى عليه وسلم فعصمه الله تعالى، وبعد أن قتل كعب بأشهر على الصحيح لا على الأثر كما قيل: أمر صلى الله تعالى عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم، وكان ذلك سنة أربع في شهر ربيع الأول وكانوا بقرية يقال لها: الزهرة، فسار المسلمون معه عليه الصلاة والسلام وهو على حمار مخطوم بليف، وقيل: على جمل، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم حتى إذا نزل صلى الله تعالى عليه وسلم بهم وجدهم ينوحون على كعب، وقالوا: ذرنا نبكي شجونا ثم ائتمر أمرك فقال: اخرجوا من المدينة فقالوا: الموت أقرب لنا من ذلك فتنادوا بالحرب، وقيل: استمهلوه عليه الصلاة والسلام عشرة أيام ليتجهزوا للخروج، ودس المنافقون- عبد الله بن أبي وأضرابه- إليهم أن لا يخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولننصرنكم، وإن

الأساس فى التفسير، ج ١٠، ص: ٥٨١٢

أخرجتم لنخرجن معكم، فدربوا على الأزقة وحصنوها ثم أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا: اخرج في ثلاثين من أصحابك، ويخرج منا ثلاثون ليسمعوا منك، فإن صدقوك آمنا كلنا ففعل فقالوا: كيف نفهم ونحن ستون اخرج في ثلاثة من أصحابك ويخرج لك ثلاثة من علمائنا، ففعل عليه الصلاة والسلام، فاشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك، فأرسلت امرأة منهم ناصحة إلى أخيها وكان مسلما، فأخبرته بما أرادوا، فأسرع إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فساره بخبرهم قبل أن يصل إليهم، فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب فحاصرهم- على ما قال ابن هشام في سيرته- ست ليال، وقيل: إحدى وعشرين ليلة، فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين، فطلبوا الصلح فأبى عليه الصلاة والسلام عليهم إلا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من المتاع، فجلوا إلى الشام إلى أريحاء وأذرعات إلا أهل بيتين منهم آل سلام بن أبي الحقيق، وآل كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وآل حيي بن أخطب، فلحقوا بخيبر، ولحقت طائفة بالحيرة، وقبض النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أموالهم وسلاحهم، فوجد خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلثمائة وأربعين سيفا، وكان ابن أبي قد قال لهم: معي ألفان من قومي وغيرهم أمدكم بها وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فلما نازلهم صلى الله تعالى عليه وسلم اعتزلتهم قريظة، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فأنزل الله تعالى قوله).

كلمة في سورة الحشر ومحورها:

تفصل سورة الحشر في مقدمة سورة البقرة؛ ولذلك فإنك تجد فيها كلاما عن المؤمنين والكافرين والمنافقين، وذلك في سياق التعريف على الله عز وجل وأفعاله وأسمائه، ومن المعلوم أن الإيمان بالله عز وجل هو الركن الأول من أركان الإيمان بالغيب، ومن خلال هذا ندرك سر وحدتها، وسر اتصالها بمحورها، فهي تعرفنا على الله من خلال أفعاله؛ وذلك نوع تفصيل لمقدمة سورة البقرة، وفي هذا الجو تعرفنا على صفات المتقين والكافرين والمنافقين، ولذلك صلاته بمقدمة سورة البقرة.

...

تتألف السورة من مقدمة ومقطعين، المقدمة هي قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وكل من المقطعين مبدوء بقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>