قال النسفي عن هذه السورة:(لها أسماء: براءة، التوبة، المقشقشة، المبعثرة، المشردة، المخزية، الفاضحة، المثيرة، الحافرة، المنكلة، المدمدمة، لأن فيها التوبة على المؤمنين، وهي تقشقش من النفاق أي: تبرئ منه، وتبعثر عن أسرار المنافقين، وتبحث عنها، وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم، وتنكلهم، وتشردهم، وتخزيهم وتدمدم عليهم، وفي ترك التسمية في ابتدائها أقوال: فعن علي، وابن عباس رضي الله عنهم، أن بسم الله أمان، وبراءة نزلت لرفع الأمان. وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت عليه سورة أو آية قال اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أين نضعها، وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال، لأن فيها ذكر العهود، وفي براءة نبذ العهود، فلذلك قرنت بينهما، وكانتا تدعيان القرينتين، وتعدان السابعة من الطول وهي سبع. وقيل اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: الأنفال وبراءة سورة واحدة نزلت في القتال. وقال بعضهم: هما سورتان وتركت بسم الله لقول من قال هما سورة واحدة).
وقال ابن كثير في مقدمة الكلام عنها:
(هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ...
عن البراء يقول: آخر آية نزلت يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ وآخر سورة نزلت براءة، وإنما لم يبسمل في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في
المصحف الإمام، بل اقتدوا في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه كما روى الترمذي .. عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة، وهي من المئين، وقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطربسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموهما في السبع الطول، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان (أي الطويل) وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشئ دعا بعض من كان يكتب فيقول:
ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وخشيت أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطربسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطول.