يقول عنه: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ .. والتقتيل والأسر يصوره بشدة: حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ .. والدعاء على الكافرين يجئ في لفظ قاس: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ .. وهلاك الغابرين يرسم في صورة مدوية ظلا ولفظا: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها .. وصورة العذاب في النار تجئ في هذا المشهد: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ .. وحالة الجبن والفزع عند المنافقين تجئ في مشهد كذلك عنيف: يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ! .. حتى تحذير المؤمنين من التولي يجئ في تهديد نهائي حاسم: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ...
وهكذا يتناسق الموضوع والصور والظلال والإيقاع في سورة القتال .. ).
[كلمة في سورة القتال ومحورها]
فصّلت سورة الأحقاف في الآيات الست التي تأتي بعد مقدمة سورة البقرة، والتي تنتهي بقوله تعالى وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ وقد لاحظنا أنّ كلا من مقطعيها ينتهي بكلمة الفسوق بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ ..
بعد الآيات الست التي تأتي بعد مقدمة سورة البقرة يأتي قوله تعالى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وبعد سورة الأحقاف تأتي سورة القتال وهي مبدوءة بكلمة (الذين). الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ فكما كانت الآية (٢٧) في سورة البقرة شرحا للفسوق فإن سورة القتال تشرح الفسوق، وتشرح ما يقابله، وتبيّن لأهل الإيمان ماذا عليهم أن يفعلوا تجاه الفسوق وأهله.
وشرح الفسوق في سورة البقرة جاء امتدادا للآية السادسة من السورة نفسها، ولذلك فإن الآيات الأولى من سورة القتال لها صلات كبيرة في كل من الآيتين السادسة والعشرين، والسابعة والعشرين من سورة البقرة:
قال تعالى في سورة البقرة: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا