وتأتي الآن آيات فيها: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. فالآيات اللاحقة إذن تقدم لنا نماذج على وساوس الشياطين التي لا يصح لمسلم أن يصغي إليها أو يطيعها. هذه واحدة:
والآيات السابقة تبين أن الله- عزّ وجل- قد أنزل إلينا الكتاب مفصلا، وأن هذا الكتاب عدل وصدق، وفي هذا السياق يأتي نموذج على ما يأمر به هذا الكتاب من صدق وعدل وعلى ما فيه من تفصيل ولذلك نجد في الآيات قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. ثمّ إن سورة الأنعام محورها من سورة البقرة كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ... هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ... فالآيات هنا تأتي لتحدّد لنا الكيفية المشروعة لنوع من أنواع الاستفادة من بعض ما خلقه الله لنا.
إن السّورة التي تناقش الكافرين بالله في كفرهم تبين في الوقت نفسه مقتضيات الإيمان الحق بالله، ومن ذلك أن يذكر اسم الله على الذبائح، ولذلك نجد أن الآية الأولى فيما يأتي تقول فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ فلنر الآيات:
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ. أي: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه خاصة، أي على ذبحه، دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم المزعومة، أو مات حتف أنفه، أو لم يذكر اسم الله عليه، دلّ ذلك على أن مقتضى الإيمان بالله الالتزام بشرعه في موضوع الذبائح
وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. أي: وأي غرض لكم في ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ. أي: بيّن لكم ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مما لم يحرّم إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. أي: إلا ما اضطررتم إلى أكله مما حرّم عليكم، فإنه حلال لكم في حال الضرورة، والاضطرار شدّة الحاجة إلى الأكل وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. أي: يضلّون فيحرّمون ويحلّلون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلّق بشريعة، وعن غير علم أيّ علم إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ. أي: المتجاوزين الحق إلى الباطل
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ. أي: علانيته وسرّه، ومن علانيته الزّنا بالمحلّات العمومية، ومن سرّه الزنا السريّ في البيوت، أو المراد بالظاهر الشرك الجلي، وبالباطن الشرك الخفي، أو المعاصي الظاهرة كلها، والمعاصي الباطنة