وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التمديد كما تقول زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد ما تنكر من إحسانه).
خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ قال الحسن البصري: يعني النطق، ورجح ابن كثير ذلك فقال:(لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن، وهو أداء تلاوته، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق، وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها). أقول: وفي كتابنا: (الرسول صلى الله عليه وسلم) بينا في مقدمته أن الإنسان مخلوق متفرد، ومن جملة تفرده تفرده بالبيان، فكل الحيوانات لا تخرج إلا أصواتا مبهمة، ومن يخرج حرفا كالببغاء يخرجه محاكاة، أما الإنسان فإنه يخرج أصواتا مبهمة، ويخرج ثمانية وعشرين حرفا تتركب منها مليارات المليارات من الكلمات في كل لغات العالم، والملاحظ هاهنا أن خلق الإنسان ذكره الله عزّ وجل بين تعليمين: تعليمه القرآن، وتعليمه البيان، وفي ذلك إشارة إلى أن ميزة الإنسان الأساسية استعداده للعلم، وتقديمه ذكر القرآن يفيد أن أعظم ما يتعلمه الإنسان القرآن، والتصريح بخلق الله الإنسان رد على من يزعم أن إنساننا الحالي لم يكن بخلق الله المباشر. وبعد ما مر تبدأ السورة تعرض علينا تتمة آلاء الله على الإنسان
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي: بحساب معلوم، وتقدير سوي، وفي ذلك منافع للناس لا تحصى: منها أنه لولا ذلك لما أمكنت الحياة أصلا، ومنها أن يعلم الإنسان- بواسطة ذلك- عدد السنين والحساب. قال ابن كثير:(أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب)
وَالنَّجْمُ أي: النبات الذي لا ساق له وَالشَّجَرُ النبات الذي له ساق يَسْجُدانِ قال النسفي: (أي ينقادان لله تعالى فيما خلقا له تشبيها بالساجد من المكلفين في انقياده ... ) وفي ذكر أن الشمس والقمر بحسبان، وذكر سجود النبات لله تعالى تناسب وتقارب، قال النسفي:(وبيان التناسب أن الشمس والقمر سماويان والنجم والشجر أرضيان، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل. وإن السماء والأرض لا تزالان قرينتين، وإن جري الشمس والقمر بحسبان، من جنس الانقياد لأمر الله فهو مناسب لسجود النجم والشجر). أقول: وفي المن على البشر بسجود النبات لله وانقياده له تبيان أن لهذا الانقياد علاقته بانتظام حياة الإنسان؛ إذ لولا انتظام حياة النبات على سنن واحدة لما أمكنت حياة اقتصادية منتظمة في الحياة البشرية ولا غيرها
وَالسَّماءَ رَفَعَها أي: جعلها مرفوعة عن الأرض، وفي ذلك إبعاد للخطر عن الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال ابن كثير: يعني العدل، وقال