للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا نَصَبٌ أي تعب وَلا مَخْمَصَةٌ أي مجاعة فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في الجهاد وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ أي ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بحوافر خيولهم، وأخفاف رواحلهم وأرجلهم، يغيظ الكفار وطئوه، ويغضبهم، ويضيق صدورهم، لا يتحركون حركة تغيظ الكفار وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا أي ولا يصيبون منهم إصابة بقتل أو أسر أو جرح أو كسر أو هزيمة، أو غير ذلك مما يسوؤهم إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ أي بهذه الأعمال عَمَلٌ صالِحٌ أي عمل لهم ثوابه إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أي إنهم محسنون، والله لا يبطل ثوابهم، وفيه دليل على أن من قصد خيرا كان سعيه فيه مشكورا، من قيام وقعود، ومشي وكلام وغير ذلك.

وَلا يُنْفِقُونَ أي هؤلاء المجاهدون في سبيل الله نَفَقَةً صَغِيرَةً أي قليلة وَلا كَبِيرَةً أي ولا كثيرة وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً أي أرضا في ذهابهم ومجيئهم وحركتهم للجهاد، والوادي في الأصل: هو كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ أي ذلك الإنفاق والحركة، أي أثبت في صحائفهم. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي ليجزيهم على كل واحد جزاء أحسن عمل كان لهم، فيلحق به ما دونه توفيرا لأجرهم.

وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً إلى الجهاد إذا كان الجهاد فرض كفاية، لما يترتب على ذلك من تعطيل مصالح، وخاصة مصلحة طلب العلم الشرعي. فَلَوْلا أي فهلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ أي من كل جماعة كثيرة، جماعة قليلة منهم لطلب العلم الشرعي لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ أي ليتكلفوا الفقاهة في الدين، ويتجشموا المشاق في تحصيلها وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ أي ليجعلوا مرمى همتهم في الفقه إنذار قومهم، وإرشادهم إذا رجعوا إليهم، دون الأغراض الخسيسة من التصدر والترؤس والتشبه بالظلمة في المراكب والملابس. لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ أي ما يجب اجتنابه، ويمكن أن تفهم الآية فهوما أخرى، قال به مفسرون، وأيا كان فهم الآية فإن مجيئها في هذا السياق يدل على أن الفقه فى دين الله والجهاد متلازمان؛ إذ لا يمكن أن يقوم جهاد حقيقي بلا فقه، ومن ثم فإننا نرى جيشا كالجيش الانكشاري بدأ متدينا وكيف آل أمره عند ما انفصل فيه الجهاد عن الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>