وَدَخَلَ جَنَّتَهُ أي إحدى جنتيه، أو سماهما جنة لاتحاد الحائط أو لاتحاد النهر وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي وهو ضار لها بالكفر والتمرد والتكبر والتجبر وإنكار المعاد قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً أي ما أظن أن تهلك هذه الجنة أبدا، وذلك اغترار منه لما رأى فيها من الزروع والثمار، والأشجار والأنهار، المطّردة في جوانبها وأرجائها، ظنّ أنها لا تفنى ولا تفرغ، ولا تهلك ولا تتلف، وذلك لقلة عقله، وضعف يقينه بالله، وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة، وهكذا شك في بيدودة جنته لطول
أمله، وتمادي غفلته، واغتراره بالمهلة
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي كائنة وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً أي ولئن كان معاد ورجعة، ومرد إلى الله، ليكونن لي هناك أحسن من هذا، لحظي عند ربي، فلولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا. وهذا من فرط جهله بشأن الله، وحقيقة امتحانه، والمنقلب: هو المرجع والعاقبة
قالَ لَهُ صاحِبُهُ المؤمن واعظا له وزاجرا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار وَهُوَ يُحاوِرُهُ أي وهو يراجعه الكلام ويجادله أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا جعله كافرا بالله لشكّه بالبعث، فدلّ ذلك على أنّ الإيمان بالبعث فرع الإيمان بالله
لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي أي لكن أنا لا أقول بمقالتك، بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً أي بل هو الله المعبود وحده لا شريك له.
ثم نبهه على واجبه تجاه النعمة وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ هذا تحضيض منه وحث على قول ذلك. أي هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها، حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله. أي الأمر ما شاء الله، أو أي شئ شاء الله كان، أي هلا قلت الأمر ما شاء، اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئة الله، وأن أمرها بيده، إن شاء تركها عامرة، وإن شاء خرّبها، وقلت لا قوة إلا بالله؛ إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ في الدنيا أو في العقبى وَيُرْسِلَ عَلَيْها أي على جنتك التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى حُسْباناً مِنَ السَّماءِ أي عذابا من السماء فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أي أرضا بلقعا لا يثبت فيها قدم
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أي غائرا في الأرض فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً أي فلا يتأتى منك طلبه فضلا عن إيجاده. والمعنى: إن ترن أفقر منك، فأنا أتوقع من صنع الله أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى، فيرزقني لإيماني جنة خيرا من جنتك. ويسلبك لكفرك