فإذا تذكرنا أن الدعاء مخ العبادة. وتذكرنا الحديث الذي ذكرناه قريبا أنه لا يقبل العمل أربعين يوما بسبب لقمة حرام، أدركنا الصلة بين العبادة وأكل الحلال. وإنما ذكرنا هذا الموضوع مع الفوائد مع أن له صلة بالسياق من أجل الفائدة التي تضمنها الحديث
[فصول شتى]
[فصل في التقليد]
يثار بمناسبة قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا موضوع التقليد للغير بدون معرفة دليله. هل يجوز ذلك أو لا يجوز؟.
وهذه نقول توضح حدود هذه المسألة:
عند قوله تعالى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يقول الألوسي: (وظاهر الآية المنع من اتباع الظن رأسا؛ لأن الظن مقابل للعلم لغة وعرفا. ويشكل عليه أن المجتهد يعمل بمقتضى ظنه الحاصل عنده من النصوص، فكيف يسوغ اتباعه للمقلد؟. وأجيب بأن الحكم المظنون للمجتهد يجب العمل به للدليل القاطع وهو الإجماع. وكل حكم يجب العمل به قطعا علم بأنه حكم الله تعالى فهو معلوم قطعا. فالحكم المظنون للمجتهد معلوم قطعا. وخلاصته أن الظن كاف في طريق تحصيله، ثم بواسطة الإجماع على وجوب العمل صار المظنون معلوما، وانقلب الظن علما. فتقليد المجتهد ليس من اتباع الظن في شئ).
وقال القرطبي بمناسبة قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ... (تعلق قوم بهذه الآية في ذم التقليد لذم الله تعالى الكفار باتباعهم لآبائهم في الباطل واقتدائهم بهم في الكفر والمعصية، وهذا في الباطل صحيح. أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين، وعصمة من عصم المسلمين، يلجأ إليها الجاهل المقصر عن
درك النظر. واختلف العلماء في جوازه في مسائل الأصول على ما يأتي. وأما جوازه في مسائل الفروع فصحيح).