١٣ - [كلام ابن كثير والنسفي والمؤلف حول آية وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا]
عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا قال ابن كثير: (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا يعني الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي لنبصّرنّهم سبلنا، أي طرقنا في الدنيا والآخرة. روى ابن أبي حاتم ... عن عباس الهمداني أبو أحمد من أهل عكاء في قول الله تعالى:
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ قال: الذين يعملون بما يعلمون، يهديهم الله لما لا يعلمون، قال أحمد بن أبي الحواري فحدثت به أبا سليمان الداراني فأعجبه وقال: ليس ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به، وحمد الله حتى وافق ما في قلبه).
وقال النسفي:(وعن الداراني: والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا، فقد قيل: من عمل بما علم وفق لما لا يعلم. وقيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم. وعن فضيل: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. وعن سهل: والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وعن ابن عطاء: جاهدوا في رضانا لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان، وعن ابن عباس: جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا، وعن الجنيد:
جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص، أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا، والأنس بنا، أو جاهدوا في طلبنا تحرّيا لرضانا لنهدينهم سبل الوصول إلينا).
أقول: إن من فهم هذه الآية في محلها وسياقها، وعرف معناها، وعمل بمقتضاها، حصّل خيرا كثيرا. وتأمّل فيما يأتي:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الحديث الحسن:«والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله» وجهاد النفس: حملها على أمر الله في كل شئ. ومن ذلك جهاد الشيطان، وجهاد العدو. والآية تبيّن أن من جاهد في ذات الله هداه الله إلى سبله الموصّلة إليه. ليكن هذا منك على ذكر، وامض معي.
قال تعالى في سورة القتال: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (الآية: ١٧) إن هذه الآية تبيّن أنّ التقوى منحة من الله ومكافأة منه للعبد على اهتدائه.
اجمع بين هذه الآية والآية السابقة تكون النتيجة: التقوى تأتي بعد الهداية، والهداية تأتي كأثر