وهو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته، وهو العادل الذي لا يجور أبدا، لا في شرعه ولا في قدره).
[كلمة في السياق]
وهكذا عرفنا أن أصل كل شر هو عدم الإيمان بالآخرة، وأن أصل الإعراض عن اتباع كتاب الله هو طلب الدنيا، وجعلها الهدف الوحيد، كما عرفنا أن كل ما مر معنا من مواقف خاطئة سببها ذلك الأصل، لأن كل الأدلة والحقائق والعلوم تثبت المضمون الذي جاءت به دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتثبت أن الرسول حق، والقرآن حق، وصلة ذلك كله بمحور السورة من سورة البقرة واضح: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ... فما يعرض أحد عن هذا الهدى إلا الكفرة، ولا كفر إلا بسبب اتباع الظن، وجعل الدنيا المطلب الوحيد، ومن ثم قال تعالى في هذا المحور عن القرآن: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
...
ثم يختم الله عزّ وجل المجموعة الثانية بتبيان حكمة اليوم الآخر، ويعرفنا على أهل التقوى وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وهذا يقتضي تحقيق العدل، لأن شأن الملك أن يحقق العدل في ملكه، وإذ كان الله عزّ وجل مالكا للسماوات والأرض فهذا يقتضي تحقيق العدل في هذا الملك، ومن ثم قال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا أي: بعقاب أعمالهم وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى أي: بالمثوبة الحسنى وهي الجنة. قال النسفي:(والمعنى: أن الله عزّ وجل إنما خلق العالم وسوى هذا الملكوت ليجزي المحسن من المكلفين والمسئ منهم؛ إذ الملك أهل لنصر الأولياء وقهر الأعداء) وقد يكون المعنى: أن الله عزّ وجل لم يعط ملكه لأحد من خلقه، وجعل نفسه المالك الوحيد ليجازي المسئ بإساءته، والمحسن بإحسانه،
ثم فسر تعالى من هم المحسنون الذين يستحقون الجنة فقال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ أي:
الكبائر من الإثم، والكبائر من الذنوب: التي يكبر عقابها وَالْفَواحِشَ أي:
ويجتنبون ما فحش من الكبائر، كأنه قال: الذين يجتنبون الكبائر عامة والفواحش منها خاصة، قال النسفي: (الكبائر: ما أوعد الله عليه النار، والفواحش: ما شرع فيها