للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: ينشر ويخلق مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ في كتابنا (الله جل جلاله) ذكرنا كيف أن أول الظواهر التي تدل على وجود الله ظاهرة حدوث الكون. وذكرنا هناك من الأدلة العقلية والعلمية على ذلك ما يقطع دابر الشك. وذكرنا في الكتاب جملة من الظواهر، منها ظاهرة الحياة، ودلّلنا هناك على أن هذه الظاهرة المتمثلة في الإنسان وبقية الأحياء تدل على الله دلالة جازمة قاطعة، فليراجع الكتاب، وقد لفتت السورة النظر إلى ظاهرة الحدوث،

ثم ثنّت بذكر ظاهرة الحياة، وبيّنت أن ظاهرة الحدوث تدرك بمجرد الإيمان، إلا أن ظاهرة الحياة تحتاج إلى يقين ثم قال تعالى: وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ أي: من السحاب مِنْ رِزْقٍ أي: من مطر وسمّي المطر بالرزق لأنه سببه فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي: بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شئ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ قال ابن كثير: (أي: جنوبا وشمالا ودبورا وصبا، برية وبحرية، ليلية ونهارية، ومنها ما هو للمطر، ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء للأرواح، ومنها ما هو عقيم) آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ دلّ ذلك على أن من كان له عقل عرف في اختلاف الليل والنهار، وإنزال المطر وتصريف الرياح آيات تدل على الله ووجوده وأسمائه وصفاته.

وقد أشارت الآية إلى معان من الحكمة يستدل بها ذو العقل على الله وأسمائه وصفاته ووجوده. وقد لاحظنا أن الآية الأخيرة ذكرت العقل، والتي قبلها ذكرت اليقين، والأولى ذكرت الإيمان، ونأخذ من ذلك أن هناك آيات في الكون تدرك بمجرد العقل يعبر بها الإنسان إلى الله، وآيات لا بد لإحساس القلب فيها من يقين، وآيات لا بد لإحساس القلب فيها من إيمان، ثم قال تعالى

تِلْكَ قال النسفي: إشارة إلى الآيات المتقدمة، وقال ابن كثير: يعني: القرآن بما فيه من الحجج والبينات. أقول: الإشارة ترجع إلى نوعي الآيات الكونية والقرآنية بآن واحد. فههنا تتحد الآية القرآنية بالآية الكونية آياتُ اللَّهِ أي: دلالاته وحججه في الكون والقرآن. نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ قال ابن كثير: أي: متضمنة الحق من الحق فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ أي: فإذا كانوا لا يؤمنون بالله ولا بآياته، ولا ينقادون لها، فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون،

وإذ تبين أنّ هؤلاء الذين لا يؤمنون لا يمنعهم من الإيمان شبهة ولا حجة- بل الحجج كلها قائمة عليهم- فإن الله عزّ وجل يقول مهددا لهم وواصفا إياهم: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أي: كذاب أَثِيمٍ أي: مبالغ في اقتراف الآثام.

يَسْمَعُ هذا الكذاب الأثيم آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ أي: تقرأ ثُمَّ يُصِرُّ على

<<  <  ج: ص:  >  >>