والملاحظ أن الأمر بالمكاتبة جاء بعد الأمر بالإنكاح، فما هي الصلة بين الأمرين؟
أقول: إن الإنكاح سبب لزيادة المسلمين، والمكاتبة تكثير لسواد المسلمين، إذ العبودية نوع موت، ثم إن الأمر بإنكاح الإماء والعبيد الصالحين يوصل إلى الكلام عن حريتهم والطريق إليها، لأن العبد يحرص على أن يتزوج بعد أن يكون حرا، كما أنه يكون أكثر حرصا على الحرية بعد زواجه، وأما الصلة بين هذا الموضوع وبين محور السورة فواضح؛ فهذا جزء من نظام الإسلام الذي أمر الله المسلمين في الدخول به كافة.
وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ أي إمائكم عَلَى الْبِغاءِ أي على الزنا إذ البغاء الزنا للنساء خاصة إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً أي تعففا عن الزنا، كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، ولا يعني هذا أنه يجوز للرجل إذا لم ترد أمته التحصن أن يدفعها إلى الزنا، كما لا يعني أن الأمة بالخيار في أن تتحصن أو تزني، بل كان القيد بهذا الشرط لأن الإكراه لا يكون إلا مع إرادة التحصن، فآمر المطيعة لا يسمى مكرها، ولا أمره إكراها ولأنها نزلت على سبب فوقع النهي على تلك الصفة، وفيه توبيخ للأسياد فكأنه قال: إذا رغبن في التحصن فأنتم أحق بأن تفرحوا بذلك، وتعينوهن عليه فكيف تكرهونهن؟ لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن وأولادهن وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ أي على الزنا فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ لهن رَحِيمٌ بهن أو لهم وبهم إذا تابوا.
[نقول]
١ - قال صاحب الظلال في الآيات الأخيرة:(إن الزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية. وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة. فيجب أن تزول العقبات من طريق الزواج، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها. والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس. والإسلام نظام متكامل، فهو يفرض العفة وقد هيأ لها أسبابها، وجعلها ميسورة للأفراد الأسوياء. فلا يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إلا الذي يعدل عن الطريق النظيف الميسور عامدا غير مضطر.
لذلك يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال) وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ. إِنْ يَكُونُوا