ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أي: القرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد، ونفع لهم في المعاش والمعاد، أو القرآن ذي الشرف، أي: ذي الشأن والمكانة. قال ابن كثير:
(ولا منافاة بين القولين فإنه كتاب شريف، مشتمل على التذكير، والإعذار والإنذار) واختلفوا في جواب هذا القسم فقال قتادة جوابه: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ. واختاره ابن جرير، وقيل جوابه ما تضمّنه سياق السورة بكمالها. وذكر النسفي أكثر من وجه. أحدهما:(ص والقرآن ذي الشرف إنه لكلام معجز، وأيا ما كان التقدير ففي القسم بالقرآن وخاصيّة من خواصّه، وهي التذكير إشعار بأنّ الحجة قائمة على الكافرين فكتاب اشتمل على التذكير فيه دليل إعجازه، وأنّه من عند الله، وسنرى في السورة نماذج من كون هذا القرآن ذكرا، مما يؤكّد ما ذهبنا إليه أن في القسم إشعارا بأن الحجة على الكافرين قائمة، وسياق السورة الذي يبيّن خاصيّة هذا القرآن في كونه ذكرا يقيم الحجة على الكفر وأهله من خلال هذه الخاصية لكتاب الله عزّ وجل. فالسورة تبيّن أن الحجة على الكافرين قائمة، ومع ذلك فإن الكافرين مصرون على كفرهم وعنادهم وكبرهم ...
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ أي تكبّر عن الإذعان لذلك والاعتراف بالحق وَشِقاقٍ أي خلاف لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلم. قال النسفي: (والتنكير في عزة وشقاق للدلالة على شدتهما وتفاقمهما). وقال ابن كثير:
(أي إن في هذا القرآن لذكرى لمن يتذكّر، وعبرة لمن يعتبر، وإنّما لم ينتفع به الكافرون لأنّهم في عزّة أي استكبار عنه وحميّة، وشقاق أي ومخالفة له ومعاندة ومفارقة)
ثمّ خوّفهم الله ما أهلك به الأمم المكذّبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل، وتكذيبهم للكتب المنزلة من السماء فقال تعالى كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ أي من أمّة مكذّبة فَنادَوْا
أي حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله تعالى وَلاتَ حِينَ مَناصٍ أي وليس ذلك بمجد عنهم شيئا. والتقدير: وليس الحين حين مناص، أي منجى وفرار وذهاب
وَعَجِبُوا أي وعجب الكافرون أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ أي رسول مِنْهُمْ أي من أنفسهم ينذرهم يعني: استبعدوا أن يكون النبي من البشر وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ اتّهموا الرسول صلّى الله عليه وسلم بالسّحر والكذب- عليهم من الله ما يستحقون- وقد علّل النّسفي لقوله تعالى: وَقالَ الْكافِرُونَ وعدم قوله وقالوا. فقال: (ولم يقل: وقالوا: إظهارا للغضب عليهم، ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغّلون في الكفر، المنهمكون