رأينا أثناء تفسير سورة البقرة أن المفسرين مختلفون في المراد بالصابئين هل المراد بذلك كل من صبأ عن دينه المنحرف إلى الحق؟ أو المراد بهم طائفة بعينها نرى بقاياها في العراق؟، وعلى القول الثاني فإننا ننقل هاهنا كلاما للآلوسي لا نعتبره تحقيقا بل نعتبره سردا لأقوال، فلعلّ تحقيقا ما يرجّح شيئا منها، أو ينقضه، يقول الألوسي عن الصابئين:
«وهم كما قال حسن جلبي وغيره: قوم خرجوا عن دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة، وقد تقدم الكلام على ذلك، وفي حسن المحاضرة في أخبار مصر القاهرة للجلال السيوطي ما لفظه: ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث- وكان فيه. وفي بنيه النبوة والدين- وأنزل عليه تسع وعشرون صحيفة وأنه جاء إلى أرض مصر، وكانت تدعى بابلون فنزلها هو وأولاد أخيه، فسكن شيث فوق الجبل، وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي، واستخلف شيث ابنه أنوش، واستخلف أنوش ابنه قونان، واستخلف قونان ابنه مهلائيل، واستخلف مهلائيل ابنه يرد، ودفع الوصية إليه، وعلمه جميع العلوم، وأخبره بما يحدث في العالم، ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم عليه الصلاة والسلام، وولد ليرد أخنوخ- وهو إدريس عليه الصلاة والسلام- ويقال له: هرمس، وكان الملك في ذلك الوقت محويل بن أخنوخ بن قابيل، وتنبأ إدريس عليه الصلاة والسلام وهو ابن أربعين سنة، وأراد به الملك سوءا فعصمه الله تعالى، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، ودفع إليه أبوه وصية جده والعلوم التي عنده، وكان قد ولد بمصر وخرج منها، وطاف الأرض كلها ورجع فدعا الخلق إلى الله تعالى، فأجابوه حتى عمّت ملته الأرض، وكانت ملته الصابئة، وهي توحيد الله تعالى. والطهارة، والصوم، وغير ذلك من رسوم التعبدات، وكان في رحلته إلى المشرق قد أطاعه جميع ملوكها، وابتنى مائة وأربعين مدينة، أصغرها الرها، ثم عاد إلى مصر وأطاعه ملكها وآمن به- إلى آخر ما قاله- ونقله عن التيفاشي، ويفهم منه قول في الصابئة غير الأقوال المتقدمة. وفي شذرات الذهب لعبد الحي بن أحمد بن العماد الحنبلي في ترجمة أبي إسحاق الصابئي ما نصه:
والصابئ بهمز آخره، قيل: نسبة إلى صابئ بن متوشلخ بن إدريس عليه الصلاة والسلام، وكان علي الحنيفية الأولى، وقيل: الصابئ بن ماوي، وكان في عصر الخليل عليه الصلاة والسلام، وقيل الصابئ عند العرب من خرج عن دين قومه، اه.
فصل: في قوله تعالى وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ