للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هارون وهذا من البث والشكوى إلى الله التي بمثلها تستجلب الرّحمة وتستنزل النصرة.

فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. أي: فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما وعدتنا وتحكم عليهم بما هم أهله، وهو في معنى الدعاء عليهم، أو فباعد بيننا وبينهم، وخلّصنا من صحبتهم.

قالَ فَإِنَّها. أي الأرض المقدسة. مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ.

أي: لا يدخلونها وهو تحريم منع لا تحريم تعبّد، كتبها لهم بشرط الجهاد فلما أبوا منعوا منها أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ. أي: يسيرون فيها متحيرين .. فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. أي فلا تحزن عليهم لأنهم فاسقون.

[فوائد]

١ - [أهمية الجهاد في سبيل الله]

من ذكر الفسوق في نهاية هذه الفقرة مرتين نعرف مفتاح السّياق؛ فقد رأينا أن سورة المائدة كلها تفصّل من سورة البقرة الآيتين اللتين فيهما. وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ... ومن هذه المجموعة نفهم أن النّعمة ينبغي أن يقابلها جهاد، وأنّ ترك الجهاد حيث فرض فسوق، وأنه مع الفسوق لا اهتداء بكتاب الله. فالفقرة تبرز أهميّة الجهاد في قضيّة الإيمان، وأما محل هذه الفقرة في سياقها القريب، فإنها مرتبطة بنقض الميثاق، إذ من الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل نصرة الرسل، وقد تخلى بنو إسرائيل عن نصرة موسى عليه السلام فاستحقوا لقب الفسوق، واستحقوا العقوبة الدنيوية.

٢ - [قصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم]

قال ابن كثير تعليقا على هذه القصّة المذكورة في هذه المجموعة: وهذه القصّة تضمّنت تقريع اليهود، وبيان فضائحهم لله ولرسوله، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمرهم به من الجهاد، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء، ومجالدتهم، ومقاتلتهم، مع أن بين أظهرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكليمه، وصفيّه من خلقه في ذلك، وهو يعدهم بالنّصرة والظّفر بأعدائهم، هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوّهم فرعون، من العذاب، والنّكال، والغرق له، ولجنوده في اليمّ، وهم ينظرون؛ لتقرّ به أعينهم وما بالعهد من قدم، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم. فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل. هذا وهم في جهلهم يعمهون. وفي غيّهم يترددون. وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه. ويقولون مع ذلك نحن أبناء الله وأحباؤه، فقبّح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود. وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النّار ذات الوقود، ويقضى لهم فيها بتأبيد الخلود، وقد فعل وله الحمد من جميع الوجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>