للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاعتذروا بشغلهم بذلك، وسألوا أن يستغفر لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد بل على وجه التقية والمصانعة؛ ولهذا قال تعالى يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً؟) وقال النسفي عن هؤلاء: (هم الذين خلّفوا عن الحديبية وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدئل، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلّى الله عليه وسلم وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربا، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا: يذهب إلى قوم غزوه في عقر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه فيقاتلهم، وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة) قال تعالى مخاطبا هؤلاء المنافقين: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي: فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أي: ما يضركم من قتل أو هزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً من غنيمة وظفر أو غير ذلك قال ابن كثير: أي لا يقدر أحد أن يرد ما أراده الله فيكم تعالى وتقدس، وهو العليم بسرائركم وضمائركم، وإن صانعتمونا ونافقتمونا، ولهذا قال تعالى بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً تخلفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خوفا من الضر، ورغبة في النفع فبيّن الله عزّ وجل أن الضر بيده، والنفع بيده في كل حال، فلا ينفعهم بقاء إن أراد إضرارهم، ولا يضرهم ذهاب إن أراد نفعهم.

ثم بيّن الله عزّ وجل السبب الحقيقي لتخلفهم، وأنه ليس ما اعتذروا به، فقال بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً قال ابن كثير: أي لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص، بل تخلف نفاق .. اعتقدتم أنهم (أي: الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه) يقتلون وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم، ولا يرجع منهم مخبر وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ أي: وزين الشيطان لكم هذا المعنى وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ أي: اعتقدتم الاعتقاد الشرير السيئ من علو الكفر وظهور الفساد وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي: فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم، لا خير فيكم، أو هلكى عند الله، مستحقين لسخطه وعقابه

وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: من لم يجتمع له الإيمان بالله والإيمان برسوله صلّى الله عليه وسلم فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً أي: نارا تسعر، دلّ ذلك على أن هؤلاء كافرون وإن أظهروا خلاف ذلك. قال: ابن كثير في الآية: (أي من لم يخلص العمل في الظاهر والباطن لله تعالى، فإن الله تعالى سيعذبه في السعير وإن أظهر للناس ما يعتقدون خلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>