للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استثناء

وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ قال الله هذا لآدم بعد إخراج إبليس من الجنة، اتخذ أنت وزوجك الجنة مسكنا فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا أي فتصيرا مِنَ الظَّالِمِينَ بمعصيتكما الله إن خالفتما أمره

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي ألقى إليهما الوسوسة، والوسوسة الكلام الخفي المكرر الملقى بغير اتئاد أى بعجلة لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما أي يكشف لهما ما ستر عنهما من عوراتهما، وفيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه لم يزل سترها مستقيما في الطباع والعقول وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أي إلا كراهة أن تكونا ملكين تعلمان الخير والشر وتستغنيان عن الغذاء أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ أي من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين

وَقاسَمَهُما أي وأقسم لهما وصدقاه فشاركاه في القسم بتحقيق ما يراد القسم له ولذلك استعملت صيغة المفاعلة للدلالة على هذا المعنى إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فإني من قبلكما هاهنا، وأعلم بهذا المكان

فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أي فزلهما إلى الأكل من الشجرة بما غرهما به من القسم بالله، وإنما يخدع المؤمن بالله ولم يكونا يظنان أن أحدا يحلف بالله كاذبا فوقعا في المعصية، فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ أي وجدا طعمها آخذين في الأكل منها بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي: ظهرت لهما عوراتهما؛ لتهافت اللباس عنهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وَطَفِقا أى جعلا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي يجعلان على عورتهما من ورق الجنة ورقة فوق ورقة ليستترا بها كما تخصف النعل أي ترقع وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ هذا عتاب من الله وتنبيه على الخطأ

قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ وكان في هذا توبتهما قال النسفي (وفيه دليل على المعتزلة لأن الصغائر عندهم مغفورة أى بلا توبة) وهذا يعني أنه اعتبر فعل آدم صغيرة

قالَ اهْبِطُوا الخطاب لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل، ويحتمل أنه هبط إلى السماء ثم هبطوا جميعا إلى الأرض بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أي: متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي استقرار أو موضع استقرار وَمَتاعٌ أي: وانتفاع عيش إِلى حِينٍ أي إلى انقضاء آجالكم

قالَ فِيها أي في الأرض تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ مبعوثين للثواب والعقاب. وبهذا تمت الفقرة الأولى من هذا المقطع وفيها كما قال صاحب

<<  <  ج: ص:  >  >>